الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

اللوحة العاصية!



تصوّر للحظة، ولكن تصوّر بحذر حتى لا تقع في المحظور، فالتصوّر ولو كان في الخيال ربما يكون شُبهة تودي بك في قعر الظنون، تصوّر أنك أمام خيار واحد فقط، عليك اختيار حاسّة واحدة من بين نِعم الحواس والمشاعر التي وهبها لك الخالق، اختر حاسّة واحدة فقط تعيش بها مدى الحياة، ماذا ستختار؟

قبل أن تُجيب دعنا نرحل سوياً إلى مكان ما بلا ألوان، بلا أشكال، بلا أصوات، بلا مذاق، و بلا طقس، حتماً هو مكان يساوي في تفاصيله "اللامكان". ألا تتفق أن هذا المكان سيكون قاحلاً أكثر من المقابر! فكيف يُمكن للانسان الذي يأنس للجمال أن يُجرم الجمال!؟ بل كيف يُمكنه أن يبقى انساناً ويمارس انسانيته بحواسه وحريته تحت ظل هذا الفكر المظلم!

لو طالعنا التاريخ وبعض الأدب لوجدنا أن الانسان، بمختلف الديانات، كان يُعبر عما يريد بما هو متاح حوله أو بما يبتكره لنفسه، وهنا يبدأ التعبير الانساني في التطور وبناء الحضارة، نعم بهذه السهولة!

كان الشعراء يُبدعون في وصف الصور، يرسمون بواسطة الحروف تصاويراً مدهشة تجعلك تقرأ الشعر كأنه لوحة فنية. وكان الانسان يتفنن في العمارة والبناء، والآثار خير شاهد. بل كان الحدّاد يُعبر عن احتراف هذه الحرفه بالنقش على الدروع والسيوف والأدوات الأخرى. بعدها بدأ الانسان ينافس نفسه في مجالات عديدة فشيد بذلك الحضارات، وعرّف كل شعب عن نفسه بما قدمه للعالم.

لا يمكن لفطرة الانسان أن تأمره أن يغتال شغفه عن التعبير عن ذاته، وحبه للتعريف والتعارف الثقافي والعلمي، بل على العكس، هو مخلوق بغريزة تدفعه نحو التعبير للتطوير.

الشاذّ أن يكون هناك من يحترف وأد "التعبير الانساني"، حرفته هي تجريم فطرة الانسان، يُعبر عن "الظلام" بداخله بتمزيق لوحات فنية، بإحراق كُتب، أو بتجريم المعارض والمسارح والفنون! باختصار هو يرى الحضارة في "اللامكان"!

عموماً، إم لم تكن الحاسّة التي اخترتها هي "الانسانية" فعليك مراجعة أقرب مكتب حانوتي!


الاثنين، 19 نوفمبر 2012

نظرية الأقفاص!





يُقال في علم الإجتماع أن البيئة المُحيطة تعتبر من أشد العوامل المؤثرة على السلوك والمعتقدات بمختلف تعاريفها. اتساع المساحات من حولك يتيح لعينيك مدىً أوسع للنظر، وضيقها يؤطر ما تراه ويحجبه!

في مجتمعاتنا الصغيرة، التي قد يجوز مجازاً تسميتها بالأقفاص، تخنقنا تلك الإطارات. يُولد الطفل ليخرج من قفصٍ إلى قفص مُزين حول سريره الصغير، تتلاقفه الأيدي كل حين ولكنه يعود نائماً إلى قفصه.

نخرج، إذا سُمح لنا بالخروج من قفص المنزل، إلى فُسحة الشارع الذي يُحدده لنا الأبوان. يحددان لك مساحة الركض واللعب من عمود إنارة إلى حدود بقالة الحي!

تذهب إلى المدرسة، إلى مستودع الأقفاص المُسماة تأدباً فصولاً مدرسية! تقضي نصف يومك، نصف عمرك، بين أسوار شاهقة مُطرزة من الأعلى بأسلاك أو بزجاج جارح ردعاً للمتمردين وحفاظاً على سلامة التلاميذ!

تذهب إلى ملجأ الجياع العائلية، إلى مطعم يقدم وجباته لأناس يُسورهم حاجز فتراهم يلتهمون طعامهم وحولهم قفص آخر! تذهب إلى نُزهة، إلى شبه حديقة وفي ذهنك رغبة فطرية لاحتضان السماء، لكنك تجدها هي الأخرى مُسورة، كأنها متنزة منزوٍ إلى نفسه!

لم ننتهِ بعد، يُقدر لك أن تتزوج فتدخل بمحض إرادة المجتمع في "القفص الذهبي"، حتى الأفراح لدينا مُقفصة في اسمها ومضمونها!

تجد نفسك داخلاً في شركٍ من الأقفاص، مُكبلاً بأقفال العادات والتقاليد التي صنعها الراحلون وأخذوا معهم المفاتيح! فلا يُسمح لك الخروج ولا حتى صناعة قفص جديد ترتضيه!

وإن لم تلاحظ، حتى قلبك الذي تُخزن بداخله ما تشاء من ايمان وشعور ومعتقدات، مسجون هو المسكين في قفص! ومحاولة خروجك من كل تلك الأقفاص هو لا محالة طريق للدخول في قفص الإتهام!

من الطبيعي أنه كلما ازدات الأقفاص، انخفض حس الابتكار، وأصبح العقل عقيماً غير قادراً على إنجاب الأفكار، لذلك يقال "فكر خارج الصندوق"، لكني أقول: اهرب من القفص!

إن الانسان، بما هو انسان، سيمتلك المفتاح الوحيد لجميع الأقفاص حين يُدرك معنى "الحرية"!


الجمعة، 12 أكتوبر 2012

بكِ أُبْصِر





مرَّ شهرٌ .. مرَّ آخر
أعيت الأوجاعُ صَدري
مرَّ عامٌ يتلوهُ آخر
مرَّ ليلٌ لم نتسامر
أخبريني كيف أنتِ؟
كيف يمضي الوقتُ دوني؟
أخبريني كلَّ شيءٍ
أي شيءٍ إنْ بَقى أو تغيّر
وانثري الشوق عندي
واُكتبي الشِعرَ عندي
واُذكري ما ليس يُذكر
أخبريني مِيعاد نومك
وأيّ جنبٍ تتوسدي
أرجوكِ لا تتحيري
قد أمضيت الزمان أتحير!
كلما نسجتُ خَيالكِ قمراً
جاء صُبحٌ وتبعثر!
يمنعني المساءُ رَسمكِ
ويأبّى النهار أن أتصور!
أتعلمين قد ملّ صَبري
وملَّ مني طولُ انتظاري 
فلا تسألي مَاليَّ لا أتصبّر
أخبريني قبل أن
تُحرق النار صدري
أو يموت الشوق ثم يُقبر!
ألازلتِ في الصباح تُشرقين
وكالحمامةِ البيضاء
في الشُرفة تتنهدين
تُحلِّقين وترقصين!
أخبريني أكثر وأكثر
هل أطلتِ شَعْرُكِ
أم صار أقصر؟
أخبريني عن كُحلِ عينيك
عن لون الغروب في وجنتيكِ
وكم نقطةِ دمٍ في شفتيكِ
وعن لؤلؤٍ من بَيْنها يتستر
لا تسألي لمَ أسأل
مرَّ عُمرٌ ولم أنسى
"أنتِ عُمري"
فلم أحتج يوماً أن أتذكَّر
كُنْتِ كلَّ وقتي
كلَّ سكونٍ يَحيكُ صمتي
وعيني التي بها أُبصر!

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

فزّاعة الذاكرة





قد نتقاسم نحن البُسطاء هذا الأمل في التحليق، وقد لا تخلو ذاكرة أحدنا من أرجوحة كُنا نتسابق نحوها، وكانت أعيننا تُحدق في تلك الأرجوحة من بين نافذة السيارات. نحنُ البُسطاء في كل شيء قد يُسعدنا أي شيء، وكان هذا الإطار المُعلق بسلسلة أو حبل طويل يملأ خرانة الذاكرة بابتسامات وربما ببعض الآلام إثر سقوط أو ارتطام!

ولأننا بُسطاء فقط، كُنّا نُخبئ الأماني خلف أوراق التقويم، ولازلنا نُعلقها على أمل الأيام القادمة. فمن البساطة أن لا يكون نيل الأشياء بسيطاً، قد تدخر الريالات عاماً بعد عام في "حصّالة" من فخار، تودع فيها مع كل ورقة نقدية حُلماً لاقتناء "لُعبة" صغيرة، هكذا نُعلق الأشياء على أمل يشبه فتحة "الحصّالة" الصغيرة.

نكبر وتبقى الصورة حاضرةً، يتسع إطارها قليلاً أو يبتعد مداها إلى داخل الصورة. لم يتغير ذلك الاحساس، الآن أصبحنا فقط نشقى من أجل حُلم عريض أو أمنية أعمق. ومهما كبرنا ستعود إلينا الصورة الأولى، ننظر في المرآة فتُفزعنا ملامح وجوهنا وتقاسيمها، نتأمل في خطوط العمر التي رسمها الزمان فوق جباهنا، نصمتُ فتُخاطبنا الصورة في المرآة، تسألنا "هل تتذكر؟" إنّا لا نُتقن شيئاً سوى استعادة الذكريات، تَرانا نشّمُ الهواء من نافذة الذاكرة، ونستعير بعض الابتسامات من حقول الطفولة، ونقضي هزيع الليل ننسج صور الماضي، هذا ما يعرفُه البُسطاء أيتها المرآة.

حين نتعرض لمثل تلك المُساءلة يُصيبنا الارتياب، نقفز من محط أقدامنا نحو بقعة احتوت تفاصيل حياتنا، نحو مسرح شهِد البكاء والفرح. يجعلنا نقف حيرى أمام الجمادات التي لم تتغير، ونقف ثُكالى لكل شيء اختفى من مكانه ولأجل الوجوه التي رحلت بعد أن ألِفنا وجودها. تُفزِعُنا هذه الذاكرة مع كل علامة استفهام، تَرمينا وسط بحرها كالأيتام، كبقايا حطام لا يعرف إلى أين ينتهي به القرار!

بعيدان لم نلتقي!




بعيدان والمسافةُ طويلةٌ جدًا
ورسائلُنا أنهكت أجنحةَ الحمام
بعيدان من كل الأشياء حولنا
إلّا من دفاترنا ومقابض الأقلام
نكتبُ الأشواق في عَجل اللقاء
ونستتر لو تحدثنا
لو  تهامسنا أو تراسلنا
ما ألذّ الخوف في قصص الغرام!
لكنّا من وجع الفراق ما طِبنا
لا ولا طابت لنا الأيام
سجينان في زنزانة الأقدار
بعيدان ودُموعنا أطول الأنهار
نختلس الوقت حيناً
وعليهِ إن لم نلتقي ألقينا الملام!
ما كانت الصدفة رسماً بأيدينا
وما كانت تجري طوعاً أمانينا
فأضنانا يا صديقة هذا الختام!
ليس الذنب أن تشتكي
أو شِعراً تكتبي
إن الشعور يموت لو مات الكلام!
مرّ العمر بيننا سريعاً
تسامرنا 
تخصامنا وتراضينا
وبقينا بعيدان تُساورنا الأحلام
 خذي هذا العهد مني
سأبقى أرتل اسمك
أردده صُبحاً وقبل المنام!

الاثنين، 27 أغسطس 2012

قاربٌ بلا أشرعة





دونكِ أرضي يابسةٌ
وأموَاجِي لا تصلُ شُطآني
لا أعرِفُ في الدُنيا قدَري
لا أعرِفُ في الأرضِ مَكاني !
دونكِ مَوْتي سَهلٌ
وإبحارِي صَعْبُ الإمكانِ
لا أقدِرُ أن أرحلَ أبداً
عن أحلامي عن إيماني !
ما لي واللهِ وطنٌ
إلا أنتِ يا أجمل أوطاني
نسيتُ ميلادي ولغتي
وصرتُ نِسياناً بهيئة إنسانِ
. .
دونكِ أرضي يابسةٌ
وأموَاجِي لا تصلُ شُطآني
لا أعرف بأني حيٌ
ولا قلبي يُحرِك وجداني
لا أقدر أن أُبصر حولي
وحولي يسأل، مَن أعماني !
لا أملك في دنياي إلاّ
أنتِ وأنتِ تاريخي وعنواني
قمرُكُ هذا يُبهجني
يُنسيني جُرحي وأحزاني
إني مخلوقٌ رجلٌ
لكني أضعتُ بعينيكِ كياني !
لا أعلمُ عنها شيئاً
رجولتي هي دوماً تنساني !
. .
دونكِ أرضي يابسةٌ
وأموَاجِي لا تصلُ شُطآني
سُفني فيها غارقةٌ
وأشرعتي اغتالت رُباني !
رجلٌ يحلمُ دوماً
أن تقتربي مني، من نيراني
أتراني لم أتكلم
لم أُفصِح عن حبي وأماني !؟
ألم تكتشفي أبداً
تلك الأسرار بعزفي وألحاني !
هل كانت خافيةً
أشواقي المملوؤة بأحزاني ؟
سأقول أحبكِ لا أخشى
لو قُلت بأني مجنونٌ وأناني
ما أعرفه حقاً أبدي
بأنكِ بدمائي، يحكيك لساني
أُحبكِ بألف ألف لون
أنت يا زهرةً بأجمل ألواني


. . . . .

حروبٌ في قلبي هناك
أشتكي حيناً منه إليه
يؤنبني و يحكي
ألست أنت مَن يُحبها ؟
يا مجنوناً أرد عليه !


من أرشيف الذاكرة
2007

ألف باء الحوار: منال الشريف في أوسلو





في البداية أطرح سؤالاً، ما هو المطلوب منك حين يُعبر أحدهم عن رأيه الخاص؟ حاول استرجاع بعض المواقف التي تفاعلت أو انفعلت فيها مع أو تجاه رأي ما.

قبل أشهر شارك شخص في منتدى أوسلو للحريات، ومُفردة شخص تعني في عمومها انسان ذكراً كان أم أنثى، وبما أن "مافيش حاجة تستخبى" فالشخص كان منال الشريف

لو راجعنا العرض الذي قدمته منال بكل هدوء، سنرى أنها ألمحت في بداية حديثها أن هذا العرض هو من فصول حياتها الشخصية وليس عرضاً عني أو عنك أو غيرنا، وبعملية منطقية يعتبر هذا التحديد تعبيراً عن الرأي الشخصي، والرأي الشخصي ناتج عن تجارب وقناعات معينة متصلة بظروف ومُدخلات كثيرة لن تستطيع وأنت متكئ على "مسند" المجلس أن تُحصيها في دقائق معدودة، بل لن تستطيع الشعور بها لأنك باختصار لا تملك آلة الزمن ولا بساط الريح

حين يُعبر شخص عن رأيه حيال أي قضية ما ويُفصل ذلك بالبراهين التي يراها ويقتنع بها، فأنت منطقياً أمام خيارين، وعباطةً أمام خيار واحد.

منطقياً يمكنك التزام الصمت إما لعدم رغبة في الرد أو لعدم دراية كافية حول الموضوع،  والخيار الثاني هو أن تُعبر عن رأيك وترد على النقاط المطروحة وتناقشها بأسلوب علمي، قدّم براهينك كما قدم الشخص الأول رأيه.

أما إن كنت من محبين "العباطة" فالخيار هو أن تُوزع التُهم والألقاب بالمجان، كل ما عليك تخوين القائل عن طريق استخدام قوالب القذف البلاستيكية الجاهزة، وهنا ثق أنك عرّيت نفسك بمحض إرادتك أمام الجميع.

لستُ أقف في صف أحد هنا، ولكن المثال للتوضيح لا أكثر مع ذلك أعلم أن صنف "العباطة" ربما يواصل هوايته حين يقرأ هذا المقال ويُرسل لنا كيلو ألقاب مجانا!


السبت، 25 أغسطس 2012

ذنْبُ مَنْ؟







هلْ حُبكِ ذَنبي !
أم ذنبي حُبي لكِ
و صلاتي و ابتهالاتي ؟
و هل لون الدم في قلبي
و بين أرودتي و شراييني 
كدماء الإنس دمّي !
أم أُريك نزفَ جراحاتي 
تاللهِ قسماً أني
فداءً لعينيكِ 
لترابٍ يتناثر بين قدميكِ
لأنفاسكِ أحبسِ أنا أنفاسي
و أُعَذبُ على صهريجٍ من نارِ
لو ألفاً أموت .. لأجلكِ 
ما أحلى فيكِ كلَّ موتاتي !
قلتُ : أُحِبُكِ 
مجنونٌ قالوا ! 
و رددت هتافاتي 
فليس ذنبي حُبك
و لا حُبك ذنبي 
بل ذنبهم قد كفروا
و أنا بهم قد زادت حسناتي
حين أُسبح ربي
و أدعو و أُطيل سَجَداتي
شُكر النِعم
أنتِ يا خير النعِمَاتِ
يا كفاً من ياقوتٍ يُلون كتاباتي
يا حُضناً كالزهرِ 
و عيناً كالنهرِ
تُخمِدُ نيراني
يا بدراً من نورٍ يدنو نحو سحاباتي 
كيف أصف الجمال فيك
و أنتِ كلُّ الكونِ سَجاياكِ
طيـورٌ .. وردٌ 
بحـرٌ .. صدفٌ
مجنونٌ أنا إن لم أكن أهواكِ ! 
و لم أتغنى برقصكِ
و أذهب بخيالاتي
و أنام على ذكراكِ
يا قلباً أكبر
و ثغراً أزهر
يزيلُ الحزن و يمحو اكتئاباتي
يا نبض الدنيا 
و هواء الدنيا
يا ماءً يروي ظمأ جناتي 
أجيبيني 
هل حُبكِ ذنبي
أم ذنبي حبكِ ! 
أم هو جُرم جمالٍ بين ثناياكِ ؟


- - - 

أحياناً أصاب بمرضٍ ناري بين أضلاعي
يشتعل حتى يلتهم كل أركاني و كياني !
و لا يهدأ إلاّ بمحبرةٍ تستشف منه جُل ما فيه 
لكنه يعاود الإحتراق مرات و مرات 
فقط لأجلها ..! 



من أرشيف الذاكرة
2004

الجمعة، 24 أغسطس 2012

سَحابةٌ من القلق!







لا تقلقي
لستُ بحراً يغدر أحبابهُ
فلن تغرقي
جئتُك أبحثُ عني 
وعن صورة الأشياء في ذاكرتي
أبحثُ عن رائحة عطرك
وخالٍ صغيرٍ في نهر نحرك!
جئتُ ببراءة الأطفال
وخطايا ترميني نحو صدرك!
فهلّا تُصدقي أو تُشفِقي!
إني لا أبحث عن رواية حبٍ
ولا أطلب منك أن تَعشِقي
فلا تسألي
إن السؤال جريمةٌ
تقتل الأشواق إذ نلتقي
مرًّ الزمانُ مثلي صامتاً
كألوانٍ في الشتاء تختفي
فخبأتُ مشاعري مُرغماً
ووأدتُ رسـائلـي مُرغماً
ما أضنّك العيش لو تُفارقي!
جئتُكِ أبحثُ عن ذكرى
وقُبلةٍ في الشفاه
فاشتعلي ناراً واحرِقِي
لا تترددي
ليس الغرام يا حُلوتي فكرةً
لا ولا قراراً لتُقرري
هو سجيةُ العُشاق أبداً
وصلاةٌ يُجزيها العناق
فتيممي وعانقي
هذا القوامُ آيةٌ كُبرى
يدورُ الكونُ حولها
نجوماً وكواكباً
وما الليل إن لم تتألقي!
يا قلادةَ السماء وفيروزها
وأثمن أحجاري
وياقوتي وعقيقي
فكوني كما أنتِ
وكوني كما كُنتِ
نبيذاً تُسكِر أقداحهُ الساقي!
ودعينا من أوهام الحياة فما
للأوهام خُلقنا لكي تتعلقي
هاكِ جسداً أضناهُ الغياب
جريحاً جاء مستسلماً
وبما أوتيتي فضمدي
ومزّقي
لا تصْمِتي
بُوحي بما بيننا قد جرى
ولا تقلقي
إن شاءت الأقدارُ لقاءاً
فمصيرُنا حتماً أن نلتقي


الأربعاء، 25 يوليو 2012

لا تهتم كي لا تُتهم!




تصوّر أن تستيقظ كل صباح مُتهماً، تستفيقُ الأشياء من حولك موجهةً أصابعها نحوك، تغسل وجهك أمام حضرة القاضي كي لا تُراودك المرآة عن نفسها، وتتناول وجبة الإفطار بحليب طازح وطني، وتبقى متهماً بلا شيء وبأي شيء!

تسير إلى مدرستك محمولاً أمام حقيبتك، حقيبة تحوي ما يجب أن تحفظه وتؤمن به، حقيبة من فرائض وواجبات، هي حقيبة كان امتلاكها فارغةً شعوراً لا يضاهيه فرحاً سوى ركلة "الكابتن ماجد" المطبوعة فوقها، كان امتلاكها فارغة سعادة تشرنقت حين امتلأت كتباً توزع مجاناً ولا تُباع!

وباتساع الأرض التي تحملك، وبتضاريسها التي تشكلت في تقاسيم وجهك فإنك مُلزم للإثبات، ومُلزم بالتحذير والامتناع، فالتهمة ليست أكثر مما تتفوه به، فحاذر أن تُعرف أو تتعرف، وانتبه أن يزلّ الشخص الطيب فيك ويتحدث، فالطيبة هنا تقتضي الصمت، وهو واجبك الأول والأخير

قد تقضي سني عمرك متأرجحاً بين الصُحف وكُتابها أو بين خطبةٍ وضحاها، ليس مطلوباً منك استنكار شيء، فالوقت كالسيف، وهو أثمن من أن تفنيه مُستنكراً وخيرٌ أنه تقضيه نكرة!

تشبُ أو تُصاب عَرضاً بالشيّب ولاتزال متهماً في بياض شعرك، فربما تمشي "في أمان الله" مُجبراً على تقصي وقت أذان العشاء، ومُجبراً للتأكد من شرعية خطوات من "تسير" إلى جانبك حتى لا تُلقي بنفسك في "الجمس".

تجد نفسك في كل موقف مطلوباً للتبرير، مطلوباً لأن تحلف وتبصم وتهز رأسك بالإيجاب والقبول، فالجدال كما ورد في القواميس تُهمة!

ربما يُقدر أن تخوض حواراً، فأكثر من "أتفق" فهو السبيل لأن تدخل تحت مظلة "فرقة ناجي عطالله"، إن كنت ترى وبطيبة نواياك المعهودة أن قيادة المركبة غير محددة بجنس السائق، فلا تُفصح ولا تؤيد فالتُهم هنا لا تُعد ولا تُحصى، فسهلٌ أن تُبتكر الألقاب والأسهل أن تُرمى في وجهك تُهماً تتلوها أخرى.

إن كان لك رأي، فقلّبه في جوفك، ثم ارجمه بحجارة من سكوت، تعلّم أن تكون حصاناً خشبياً، فهل سمعت عن أخشاب متهمة! لا تُتهم الأخشاب أبداً، حتى وإن كانت مستورة "تغريبية"!


يا صديقي المُتهم، كل ما عليك فعله أن تتعلم ألا تهتم كي لا تُتهم

الأربعاء، 18 يوليو 2012

البساطة بكل بساطة!




تُجبرنا البساطة أن نعود إليها أكثر كلما غضب التعقيد وانتشر، حتى في شرب الماء ترانا نتكل على أقدم مبادئ الابتكارات البشرية، فهل الحياة تحتاج للبساطة أم هي بسيطة في ذاتها؟

التطور البشري، بكل أنماطه، لم يعد يصارع الوقت فحسب، بل هو في عراك مع مفاهيم وسلوكيات عديدة . وُجد الانسان بسيطاً، فكانت الحياة بسيطة لا تحتاج لربطة عُنق ولا إلى "ملمع" أحذية، وُجد عارياً منزوعاً من التعقيد إلا من "فطرة" المبادئ والقيم، لم يكن يحمل بيديه بنادقاً بل كان يكتب بريشة السلام، لم يلجأ لدبلوماسية في الخطاب كي يصطاد سمكة، كان همّه الوحيد أن يمارس البساطة كما أنها تُمارسه

ولأنه انسان، أخطأ في التقييم، وأخطأ في التفسير فاقترف ذنباً أخرجه من جنة البساطة إلى أرض مُعقدة. ولأنه انسان أيضاً نسي المبادئ رغم أنها مسؤوليته الوحيدة هنا، نسي ما الذي يتوجب عليه فعله، ففعل كل شيء

يقول بعض الفلاسفة أن الخُلق الفاضل ليس نابعاً من الاهتمام بالشيء، بل هو أصل موجود ضمن قوالب المسؤوليات في الانسان. بمعنى أن الأخلاق الحَسنة لا تحتاج لتربية على حس الاهتمام، بل وبكل بساطة هي تحتاج لتحفيز في أصل الانسان فقط

ربما لا يرى البعض فرقاً في ذلك طالما أن النتائج متساوية، ولكن الفرق يَضح لو أسقطنا الفكرة على الحياة المادية. في ليس ببعيد تطورت ابتكارات وسائل الاتصال بشكل معين، بشكل يصح أن نقول عنه مُعقد، ولأنه لا بديل للتواصل حققت تلك الصناعة منحى ايجابياً "مادياً" جعلها تسير أكثر في خطوات التعقيد. ولكن وقفت "بساطة" الانسان جداراً وسط هذا المشوار أجبرت الشركات للعودة لبساطة التعامل مع الجهاز، عادت إلى تفعيل تقنية "الإصبع" الذي به يُشير الانسان

مهما وصلت البشرية إلى تعقيدات كثيرة تراها تعود لأصولها البسيطة، لا يمكن للانسانية التخلص من مبادئها في أي تعامل، وإن حاولت ستُجبرها "ثورة" البساطة للعودة، وإن جاهدت ستهدمها مطرقة بسيطة كان الانسان يسخدمها لطحن قمح أو عجن حبة طماطم!


الثلاثاء، 12 يونيو 2012

هل تشعر صناديق البريد؟




تستمد الرسالة معانيها من مراحل ولادتها وحتى تنقلها بين الصناديق والأيدي، قد نظن لوهلة أن الرسالة خطاب ورقي يحمل بين سطورة شعوراً يتأرجح داخل الظروف وحسب الظروف، ولكن الرسالة في ذاتها هي شعور مُختزن في قلم كاتبها، وشعور متقلص في حقيبة ساعي البريد الذي لا يعلم كم من الأماني والأحزان يحمل كل صباح

كانت الرسائل ومنذ عهد قديم تحمل معنى السلام، صفحات عديدة كتبها العشاق، كلمات مرسومة على ورقة حملها الحمام عنوةً، بلا قصد كان يُحلق بها نحو نافذة اللقاء. قد تكف عن كتابة الرسائل لو شعرت يوماً بما تمر به الرسالة من انتظار ومكوث طويل يُفزع الحروف المكتوبة. أن تكون رسالة غرام واشتياق وتُلقى بجانب رسالة أخرى تحمل خبراً حزيناً هو انشطار الجسد بين فصول السنة

يطوف ساعي البريد بين الشوارع، يكتنز في خاصرته أكواماً من الشعور، في حين أنه لا يشعر إلا باعياء الركض. يُودع رسالةً هنا، ويُلقي بأخرى من بين فتحات صناديق البريد، قد ينتابه الحزن لو رفض الصندوق احتواء رسالةً جديدة، فبعض الصناديق لا يزورها أحد، وبعضها نساه الزمان

تفيض المشاعر داخل صندوق يحتضنها، الغريب أن المشاعر أكبر من أن تُسجن في صندوق صغير لا يُعيره المارة أي انتباه! قد تختلف المشاعر المكتوبة، وتتغير التواريخ والكلمات، ولكن صندوق البريد جامدٌ لا يتحرك، ولو قُدر له الحديث ربما واسى جاره المنسي، أو فرّ هارباً من حزن قد يُوجع حتى مفتاح الأقفال!

يبقى ساكناً بلا حراك، ولو نظرت لجدرانه من الداخل رأيتها حيرى تتوجس خيفةً ما، تبات الليل مُبطنةً انتظار طلوع الشمس، وتنتظر صباحها خائفةً كلما سمعت صوتاً من هنا أو بعض الهمس! بعضُها لا يحتاج لرسائل حزن تُلهمه ذاك الشعور، فلم تزره الرسائل منذ شهور! وبعضها اُغتاله روتين الرسائل الباردة

تدلنا صناديق البريد على عناوينا، هي من يُعرفنا للقادمين، وهي من أول مَن يحفظ الشعور لنا، وفي لغة الرسائل تكون الصناديق نحن، يُرسل كل شيء لها ثم نسرقه منها، وبالرغم من كونها وسيطاً للمتراسلين، فهي الوُجهة التي نرتضيها لما نريد وما لانريد! فلكل رسالة تاريخ وعنوان والسجن يبقى صندوق البريد

الثلاثاء، 29 مايو 2012

السياحة والملابس الداخلية!



يُصادف أحياناً أن تتلون كلمة عادية باللون الأحمر لأسباب مختلفة، لكني لم أجد أكثر من كلمة "الداخلية" تجر ما قبلها وما بعدها نحو علامات الاستفهام. 

كنت، وكعادتي "البايخة" أطالع عناوين الصحف، وكان المُحرر قد أفرد مساحة لخبر مفاده أن أحدهم يُسوق للسياحة الداخلية إلكترونياً. بصراحة لا أعرف حتى مصدر كلمة سياحة ولا منشأها اللغوي أو الاجتماعي ولكن يبدو من اسمها أنها جاءت من أغنية عبدالحليم "سوّاح"، أما السياحة الداخلية فهي مصطلح بالنسبة لي وهمي حيث أنني كانسان أقطن في بقعة جغرافية تاريخية لم أجد مكتب مقاولات عامة يدلك على أي معلم سياحي

من جانب آخر لا أعلم ما المقصود بـ "الداخلية" في عنوان الخبر، ربما هي خطة استراتيجية لتفعيل السياحة "داخل" صالات مغلقة، لأن الجو ما يساعد لذلك الناس "تهج" من البلد صيفاً وتخلد للسبات شتاءاً. عموماً لا أظن أن كثير من الناس يهمهم كون السياحة داخلية أو خارجية، لأنه وبكل بساطة ألفين حافز لا تكفي لسداد فاتورة الجوال وشراء ربع بخاري لمدة شهر أصلاً

من هنا عرفت أن كلمة "الداخلية" تُمثل لغزاً محيراً في لغتنا الشعبية، فكان القدماء يُطلقون هذا الاسم على زوجاتهم، من باب المزح الجاد لدرجة أن أحد معارفي خصص نغمة جواله "إنذار إسعاف" حين تتصل زوجته. ودارت الأيام والقضايا حول هذه التسمية وصارت "نكتة" قديمة غير صالحة للضحك

النكتة الأخرى المُصاحبة لـ "الداخلية" هي محلات الملابس الداخلية التي دارت عليها سنين عجاف لسن قانون واحد فقط، وحتى الآن لا أعرف شخصياً ماذا جرى في هذه القضية الداخلية! ولكني على ثقة أن هذه الكلمة تُسبب حرج أكثر من الحرج الذي تتعرض له النساء في تلك المحلات مما يجعل النقاش حول سن القانون أمر محظور فهو يمس الأسرار الداخلية للبيوت

وتُواصل هذه الكلمة لغزها في النوايا، فالنوايا عقائد داخلية ولكن كثير من الناس يتعاملون معها وكأنها زيّ ظاهري. ذات مرة "كبسوا" عليّ مع أحد محارمي في مكان عام وفي ازدحام أول أيام العيد، وكشف لي هداهُ الله أنه يعرفني ورآني سابقاً في وضع مُخل، أنكرت واستنكرت ولكنه أصرّ فسألني عن لون ثلاجتنا! هنا ثارت حميتي وقلت له: كل شيء إلا أسرار المطبخ الداخلية

كان بودي أن أُبحر أعمق في زوايا هذه الكلمة ولكني مصاب حالياً بصداع وشد عضلي في الأحشاء الداخلية، وبصراحة لا أرغب في البوح عن مشاعري الداخلية منعاً من الحساسية والله ولي التوفيق

الأحد، 27 مايو 2012

شـارع الأبلـه طازة!




أقود سيارتي بشكل شبه يومي للتنقل من مدينة لأخرى وذلك لغرض الدراسة، لفت انتباهي خلال عام من التنقل على هذا الطريق اهتمام مُلفت في جودة عمليات إصلاح الطرق على مدار فصول السنة. وسافر بي "السرحان" لإسفلت بعض طرق وطني. هنا لاحظت أن سُمك طبقة الإسفلت تتعدى العشرين سنتيمتراً، بينما اسفلتنا ليس سوى شريحة مهلبية محفرة. أتساءل، أليس الإسفلت من مشتقات البترول العظيم! فلماذا هذا الشح في الإسفلت؟

في إحدى المرات، وفي طريق الذهاب اصطدمت سيارة بالأسلاك الجانبية للطريق والتي تمنع الحيوانات من عبور الطريق مما أدى لقطع جزء بسيط من الأسلاك. في طريق العودة وفي منتصف الليل، كان العمال يقومون بعملية إصلاح الأسلاك؟ غريبة جداً هذه الخدمة، حيث أن نصف "لمبات" ونخيل طريق الخليج في الشرقية مصدومة منذ عام الفيل!

أحياناً أتعجب من هذه الأعطال والتأخير في الإصلاحات لسنوات وسنوات، ألا يسير مسؤولو الطرق على نفس الشوارع التي نسير عليها؟ أم أنهم يذهبون للعمل بـ "هوليكبتر" حتى يصلوا لمكاتبهم بشكل أسرع ويؤدوا عملهم دون تأخير!

وطار بي "السرحان" نفسه إلى قواعد المرور والسلامة، وهنا أعترف : لسنا ملتزمين بقواعد المرور بشكل دقيق، ولكن أليس من المفترض وجود علامات مرور أولاً حتى نحكم على أنفسنا؟ ففي الشرقية أيضاً وخلال الصيف الماضي كنت أحاول البحث عن علامة "قف" أو حتى خطوط وسط شارع في قلب مدينة الدمام فلم أجد سوى علامات "أمامك مطبات صناعية" وكأننا بحاجة لمطبات صناعية أصلاً!

وبالحديث عن علامات المرور، نعرج حول التسميات الجديدة للشوارع والتي يحتاج كل فرد منا لكتاب تاريخ ومعجم لمعرفة طريق منزلهم! لا أعلم ما الفائدة أو الفكرة وراء تسمية شارع باسم مليجة البهبهاني مثلاً! أليس من المفترض استخدام أسماء أو أرقام واضحة وسهلة لتكون عوناً في إنشاء شبكة بريد مستقبلاً؟ فكيف تقوم بإرسال أو استلام طرد لعنوان منزلك الواقع على شارع "أبلة طازة

لا ننكر وجود ميزانيات هائلة لمشاريع ضخمة تساهم في عملية تطوير المجتمع وتنميته خصوصاً البُنى التحتية، ولكن التخطيط و التطبيق والتنفيذ كان وما زال يشكل مطبات في بلديات كثيرة بمباركة أبلة طازة

الثلاثاء، 22 مايو 2012

سعودية تشرب رد بول!




لازلت وحتى آخر رمق من ابتعاثي مؤمن أن مجتمع المبتعثين يُعتبر جزء من نخبة المجتمع ككل ولو من باب التحصيل العلمي. مع ذلك لازالت هناك تصورات تحتاج منا وقفة جادة لمراجعة بعض التعاريف الاجتماعية المتعلقة بالأعراف والتقاليد.


قبل عدة أسابيع تم الإعلان عن حصول إحدى الأخوات السعوديات على منصب رئيس لنادي عربي في كندا، ومن جانبي أبارك للأخت هذا الإنجاز بغض النظر هل هي تحب برشلونة أو ريال مدريد فتلك قناعة خاصة بها ولأني أشجع ميلان نوعاً ما. بعض المبتعثين ثارت حميته لدرجة غريبة فاستنكر شكل الرئيس الجديد لأنها سعودية ولو كانت غير ذلك ربما لما علّق أحد على الموضوع وكأن كون الشخص “سعودي” يعطيه قُدسية من الدرجة الأولى تتفوق على بقية بقاع العالم! 


وليت بعضهم انتهج مبدأ النصح في السر عوضاً عن الخوض في أعراض الناس دون مبرر، بل ليت بعضهم بدأ بنفسه وأصلح حاله أولاً ثم وزّع فائض التقوى لديه على بقية الخلق!


الغريب أن معظمنا متواجد في بلدان تضم ثقافات مختلفة فتعلمنا التعايش معها من مبدأ انساني وقانوني أيضاً، ولكن حين يصل الأمر لنطاق الجنسية الضيق، تضيق عقول البعض وينسى أنه كشخص مليء بالأخطاء،ليقوم بإضافة المزيد من الخطايا في سلته دونما يشعر


تحاورت مع بعض الإخوة في بداية مرحلة الابتعاث فكان لديهم تصور معين حول الأعراف، وأن العرف الذي كانوا يعيشونه في مجتمعهم هو العرف الصحيح وكل ما يخالفه فهو ذنب لا يُغتفر. بعد زمن يسير بدأوا يغيرون هذه الفكرة المناطقية اللامنطقية لأنها وبكل بساطة عادة معينة وخصوصية لكل مجتمع يُخطئ فيها البشر ويصيبون.


لستُ ضد النصح وتصحيح الأعراف المغلوطة سواء المتصلة بالشرع أو بالمجتمع فقط، ولكن في نفس الوقت مؤمن أنه لابد من اختيار الأسلوب المناسب للحوار والنصح، وفي هذا الجانب تعلمنا أن الحكمة والموعظة الحسنة هي خير سبيل خصوصاً وأننا نعتبر من عامة الناس ولسنا متخصصون شرعيون مثلاً.


مسألة وقوع الخطأ واردة سواء كان الشخص من هذي الجنسية أم تلك، فلا يصح استنكار شيء ما وربطه بأمر ليس له علاقة في الخطأ والصح أصلاً، فالبشر خُلقوا قبل ميلاد مسميات الجنسيات حسب علمي!

الأحد، 20 مايو 2012

شقلبة العنوان الصحفي



يُقال أن المكتوب يُعرف من عنوانه في إشارة لكون معنى العنوان دليل على المحتوى، لكن هذه الاستراتيجية المحترمة لا "تُثير" رغبة القارئ إلا في حال تطابقت إثارة العنوان مع فضيحة بالداخل

في الصحافة الحقيقية، تعتبر صياغة العنوان الصحفي مهارة لاختزال المحتوى في عبارة واحدة، ولكن في صحافة السيرك يعتبر العنوان الصحفي المساحة المخصصة التي يتدرب فيها المهرجون. لذلك يعمد المحررون لاستخدام خيالهم الخصب لابتكار صور "الشقلبة" التي نراها على صفحات الصُحف. ولأن المحرر المسكين ليس لديه وقت يكفي حتى للتشقلب على السرير جيداً، فهو يُرسل شقلبة "أي كلام" للإخراج والنشر

لابد أن نعترف أن العنوان الصحفي ضرورة، فهل لك أن تتخيل صحيفة بلا عناوين؟ ستكون أشبه بالتبولة بدون "برغل". ولكن وبنسبة ما يُمكن وضع العناوين بدون محتوى الأخبار والمقالات، وبصراحة أقترح أن تُجرب بعض الصحف هذه الفكرة من باب الاقتصاد في استخدام الحبر ولإعطاء المحررين مدة كافية للشقلبة

وبما أن العنوان الصحفي ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، أصبح من الطبيعي أن ينتهج المحررون استراتيجية الكذبة البيضاء في العناوين، فالمهم هنا زيادة عدد القُراء ولا ضرر في كذبة بسيطة يكتشفها القارئ بنهاية الخبر، هذا إذا سلمنا أنه قارئ فاضي

في مرحلة ما في الماضي اكتشف خُبراء العناوين أن عنواناً واحداً لا يكفي لكذبة بيضاء، فمن الإخلاص إعطاء العنوان "حقه" فالعنوان في الصحافة هو رأس المال وهو الطُعم الذي يصطادون به الإعلانات. من هنا بدأت الصحف تضع عدد ٢ عنوان للأخبار، عنوان للكذبة البيضاء والآخر يكون بمثابة الاستعطاف أو التطبيل. فإن لم تثيرك شقلبة المُحرر في العنوان الأول، حتماً سيرق قلبك لاستعطافه أو ربما تروق لك رنة الطبل في العنوان الثاني

قد يستغرق المُحرر وقتاً أطول لصياغة العنوان من المدة التي يقضيها لحشو المحتوى، فالمحرر يا سادة ليس خبير شقلبة فقط، بل خبير "محاشي" أيضاً، لذلك تجدون لذة في مطالعة العناوين ففيها نكهة "الكوسى" و متعة الشقلبات البهلوانية بالإضافة إلى الرقص والتطبيل، فهل رأيت صحافة أمتع من هذه؟

الجمعة، 18 مايو 2012

ذاكرة الشتاء




صَدِيقتي
يا قلمْ الشتاء ودفَاتِره
ويا سُكوْن الليلِ البَاردْ
سأبُوح لكِ عنّي فاسْتُرِي
واغفِري ذنباً لَستُ بسَاتِره
أنا يا صَدِيقتي .. واسمحي
أن أُناديك صَدِيقة
أنا مسجون فيك
وفي تَرْسانةِ ما حَولك
وفي لون شَعركِ
وظفائِره
تُهمتي دون تُهمة
وسِجني دون قضبان
وحيداً مِنْ الأَشْيَاءْ
حَتّى مِنْ عَنَابِره
مُنذ مَتّى؟ لا تسألي
لَسْتُ أدرِي يا صَدِيقة
لستُ أعرفْ مَا مَتّى
ضَاعتْ سَاعَتِي
وضَاعتْ مَمَرات فِكْرتِي
ما بقى إلّا أنتِ
ذاكرتي وقَلم الشِتاء ودفاتِره


فلسفة الخروج




أؤمن كثيراً أن الحياة نصٌ مكتوب لذلك وعلى مسرحنا اليومي يُمكننا الخروج عن النص، فالجمهور يُعجب دوماً بهكذا خروج، وتبقى المشكلة أن هذا الخروج قد يُوصلك إلى مُكبرات الصوت المُعلقة فوق بعض المآذن لتُخرجك من الملة.

الخروج مصطلح غير مرغوب فيه فهو عادةً يُدخلك في كل ما لا تريده بالرغم من أنه عكس ذلك، بدءاً من خروجك من الرحم إلى خروجك من الحياة، في كل خروج ستكون مُجبراً على دخول شيء ما، لا يوجد خروج مُجرد يُوصلك لفضاء آخر من معاني الخروج!

الدخول من جهة أخرى يُعتبر روتيناً لكل ما هو مألوف، هو بقاء ضمن إطار جغرافي وفكري لا يتطلب منك حركة إضافية، فيمكنك البقاء مع من حولك لتكون داخلاً ضمن الجماعة في أمل أن تحل البركة. أن تسبح مع التيار هو دخول وانسجام لا يؤدي إلى خلل حسب الأعراف، وحتى الأعراف نفسها تعتبرُ مدخلاً تلقائياً للتسليم والاستسلام.

على النقيض تماماً يكون المسير عكس التيار خروجاً عن المألوف، لذلك تُسمى تحركات الناس عادةً خروجاً على النظام مثلاً.

في أغلب الأحيان يكون الخروج موسوماً بالسلب رغم أن بذرته حسنة، وهنا تختلط مفاهيم الخروج في اللغة إذا اصطدمت بمصطلحات ابتكرها العاملين في "كشك" تذاكر الدخول!

تلقنّا مذ كنا صغاراً أن لا نخرج للشارع، أن لا نخرج من الفصل، وأن لا نخرج عن مضمار الكتاب بسؤال! صرنا نخاف حتى من الخروج من المأزق، لذلك نحن نُفضل الدخول في مأزق آخر عوضاً عن التفكير في مخرج والعياذ بالله!

في صغري تردد على مسامعي مثل شعبي، "امشي سِيـده يحتار عدوك فيك"، ربما هو لا يتناسب في مقام القول هنا ولكني أجده وُلد من صُلب الخروج والدخول. "سِيده" تعني بشكل مستقيم، لا يهم في هذا المثل أن يكون الطريق صحيحاً أم لا، بل المطلوب أن "تمشي سِيده" فقط حتى لو انتهى بك هذا الطريق المستقيم في مثلث برمودا!

الخروج المُباح عادة يكون مُخيفاً أو حزيناً، فإما أن تكون مستعداً في صالة المُغادرين للخروج أو أن تبحث عن مخرج طوارئ للهروب من كارثة أو حريق في مبنىً ما!

أما روتين الدخول فهو الهواء الذي يتنفسه الناس إلا حين يرون لافتة "ممنوع الدخول" وهي فرصة قد يبدو لك أنها فرصة للخروج، لكنّها بالفعل ليست كذلك، فلا يمكنك الخروج مما لا تدخله أصلاً!

المضحك أن الدخول لبعض المواقع يتطلب منك كلمة مرور، ولكن الخروج سهل جداً، بعكس المفهوم الذي يعرفه المجتمع. الخروج في المجتمع يحتاج لكلمات مرور كثيرة، ولكن الدخول يتطلب منك الصمت فقط!

عزيزي القارئ وبعد دخولك هنا أنصحك بالخروج من المدونة، والخروج من المنزل والخروج لنبحث سوياً عن مخرج لا يُدخلنا في سين وجيم!

السبت، 12 مايو 2012

شكشكة الكلمات


الشكشكة، فن من الفنون الجسدية تصحبها بعض الموسيقى، يُقال فلان يشكشك الاستراحة، يعني يرقص بشكل يدعو للشك. وشكشكة الكلمات هو مبدأ التشكيك فيها، ويتعبها التشكيك في النوايا لدرجة تشك فعلاً في نفسك!

ولأن للكلمات شكشكة، وددت مُلاحقة مصدر الشك، فربما يُمكننا بعد قراءة المقال أن نقطع الشك باليقين كما تُقطع التفاحة بالسكين، قلت لكم المقال شكشكة!

حين فكّر مؤلفي معاجم اللغة في مشروع كهذا، كانوا يعانون من قلق الهجمات اللغوية ومن الإختلاط، والعياذ بالله.  وُلدت الفكرة بأمل الإبقاء على اللغة العربية بشكلها الذي يحبون، ولكن جاءت المعاجم والقواميس وكأنها تتنبأ بمستقبل تضيع فيه الهمزة من فوق الألف، تتحول في أيامه الهاء جنسيّاً، وتُصاب الضاد بمُتلازمة العِصي!

ولأن أصحاب المعاجم كانوا قلقين أثناء تبويب المفردات، أصيبت التعاريف بحُمّى القلق أيضاً.  وفي مطالعة سريعة لبعض تلك المعاجم ستثيرك صنوف الأمثلة المضروبة في الصفحات، والمضروبة يا عزيزي القارئ هي وجبة طعام شعبية كانت وليدة الصدفة لنسيان "الرز" مدة أطول فوق النار حتى صار خليطاً مضروباً!

هنا أتساءل، ماذا لو لم يكن القلق، هذا إن كان فعلاً، شريكاً في عملية تأريخ اللغة ومفرداتها؟ ماذا لو كان الدافع لميلاد المعاجم هو الإثراء المعرفي أو التنوّع الكتابي؟

لا أستطيع التنبؤ في هذه اللحظات لأنه، على ما يبدو، أن التنبؤ على الفرضية المسبوقة بـ "لو" توقظ الجن وبعض الشياطين. عوضاً عن قراءة طالع "اللّولوه"، فضلّتُ إعادة تدوير بعض التعاريف في خطوة توعية بضرورة تدوير ما نستهلكه من بقايا طعام وقوارير، وحتى ما استهكلناه من موروثات وأعراف، وليسامحني الله معكم في هذا

كانت مُحاولاتي فاشلة جداً ولم تحصل إلّا على "ريتويت" واحد فقط، والرتيوت كلمة تغريبية أدخلها حزب العاطلين عن العمل في قاموس اليوم، تعني إعادة التغريد، تخيّل أنك عصفور تزقزق فوق غصن الشجرة، ويأتي عصفور آخر ويُعيد زقزقتك مرة أخرى، وهنا كل ما أرجوه أن تكون وجبتك خفيفة لتُغرّد بطلاقة، وأرجوك لا تفهمني غلط

نشرت بعض المحاولات في كتاب الوجه، لا تتعجب فلستُ أحاول "التفلسف"، ولكن كتاب الوجه هي الترجمة العربية "للفيس بوك". بعد النشر هناك لم تكن النتيجة أفضل حالاً من "الريتويت" الواحد، فبعض "الستاتس" بقيت وحيدةً لم تمر عليها نقرة الماوس!

وحتى لا يزعل كُتّاب المعاجم، نترجم بعضاً مما ورد أعلاه. "الستاتس" هي الحالة التي  يكتبها الشخص هناك للتعبير عن حالته حتى وصلنا لمرحلة أصبحت أعرف متى ذهب صديقي للمخبز ومتى جلس الشيخ الفلاني من النوم!

أما "نقرة الماوس" فهي حالة الضغط على الفأرة باصبع واحد في أغلب الحالات، حسب الصناعة!

لن أطيل الحديث خوفاً من أن أتحول لكلمات لا زلت لا أفهمها بشكل تام مثل "مع نفسك" ، والتي منذ أن سمعتها وأنا في خصام مع نفسي!


الخميس، 10 مايو 2012

قَدَر الذراع!





لم أنم ليلة البارحة في انتظار صباح اليوم لإنهاء بعض الأعمال

أثناء التجول في المجمع لفت انتباهي امرأة طاعنة في السن ومعها طفلة في الخامسة أو السادسة من العمر، ملامحها كأنها حبات من الفيروز المتناثر في وعاء ماء!

زهية البشرة، بهية النظرة، ملائيكة الابتسامة وكأنك تلمح ألوان النجوم وبريقها في عينيها الزرقاوان، يشدك كل شيء بالقرب منها، حتى النسمات التي تتحرك حولها

اقتربت أكثر فرأيت قطعة بلاستيكية ملونة في مرفقها الأيمن وكأنه جبيرة لتثبت الذراع المكسور

سألت المرأة بعد التحية: هل كسرت الفتاة ذراعها ؟
فأجابت بإبتسامة: كلا، لقد وُلدت هكذا دون ذراع!
والطفلة أطرقت برأسها للأرض وخصلات شعرها غطت وجه السماء
اعتذرتُ بخجل، وفي داخلي علامات تعجب من هذا الموقف وردة فعل المرأة المسنّة
فقالت: لا عليك، لا بأس وشكراً لسؤالك، و واصلت مشيها نحو البوابة
كان بجانبي محل حلوى، اشتريت بعض "الكوكيز" وركضت للخارج فوجد المرأة واقفة إلى جانب تلك الملاك

استأذنت قائلاً: أتسمحي لي أن أعطي هذه الطفلة الجميلة بعض الحلوى؟
فردت بالترحيب والقبول

تقدمت خطوة نحو الطفلة، وانخفضت قليلاً لأتحدث معها
تفضلي هذه الحلوى لك يا صاحبة العينان الجميلتان، هكذا انطلق الحديث من القلب لها.
مدت يدها بخجل يكاد يطغى عليّ وشكرتني بصوت مؤلم وبنصف نظرة جعلت أضلاعي تقبض نبض قلبي

حاولت التبسم وقلت لها اسمي وأنني من دولة مختلفة تماماً
فسألتني المرأة: من أين أنت؟
فقلت لها موطني وأنا أخاطب الطفلة وأقول: إنني لم أر أسرتي منذ أكثر من عام
فقالت الطفلة: هذا مؤلم أليس كذلك؟

لم أفكر في إجابة، أأقول كلا بل أنتِ مؤلمة أكثر، أم أقول أن العيش والنظر للأطفال من حولك مؤلم أكثر!!
ولكني قلت: كلا ليس مؤلماً، لأنكم أصدقائي وعائلتي
فقالت المرأة: شكراً لك، هذا لطف منك

اعتدلت في وقوفي وقلت للطفلة أرجو أن تعجبك الحلوى، وانصرفت

عدت لداخل المجمع، وقفت كثيراً بجانب البوابة أفكر في كل التعاريف وكل الكلمات، حاولت اكتشاف حكمة أو عبرة ولكن عقلي الضعيف لم يقوى تحمل ضعف قلبي أيضاً

جلست على حافة كرسي خشبي، أكتب ما دار عبر هاتفي، وكل ما أراه في هذه السطور هو وجه السماء الذي اختصره الباري في عيني طفلة دون ذراع! 




18 Aug 2011

الأربعاء، 9 مايو 2012

شمنجاحبش كندي





نصحني أحدهم بأنه علينا كمبتعثين العودة بالنظام والقوانين، ومنذ أن حطّت رجلي في كندا وأنا “ملقوف” في كل شيء نظامي، تعلمت السر وراء صف الطابور واكتشفت خلطات سرية نظامية تغطي على ساهر. عموماً بعد مدة بدأت أشعر بالفتور، فلا مفاجآت في الطريق ولاخرق للنظام العام مما أصابني بتبلد أحاسيس، واشتقت للزمن الجميل، لزمن التحويلات في طريق الظهران وزمن كان “دوّار مجسم الصدفة” في الشرقية يتحول لزحليقة ومواقف وحديقة في نفس الوقت!
 


فحزنت لحال الكنديين، حياة خالية من عنصر المفاجأة البشري، حتى المغازل الكندي ليس لديه جديد فكل شيء مكشوف ومعروف أما لدينا فهناك تنوع قائم على اكشط واربح
 


أخرج كل صباح في كندا لأرى نفس السيارات تسير في نفس الوقت وفي نفس المسار، ماهذا “الطفش” الذي يخيم على الطريق العام، في حين أن لدينا أشخاصاً يقومون بعرض خدماتهم مجاناً لجعل الطريق أكثر تشويقاً، فهناك تزلج على الإسفلت وتفحيط ومهارة التجاوز من تحت الشاحنات
 


في كندا تذهب لتجديد استمارة السيارة مثلا، تنتهي المعاملة في ٤ دقائق و ٢١ ثانية،، شعور مملّ جداً لا كرم ضيافة ولا يمديك تستريح على كراسي الانتظار! أما لدينا فنرحب بك في عالم من اختياري، ففي خطوة لجعل تجديد الاستمارة تجربة فريدة تتفاجأ بوجود ثلاث مخالفات سرعة في مدينة لم تزرها طوال حياتك وهذا يجعلك تفكر أكثر، مما يساعدك على تنشيط النخاع المستطيل
 


في كندا يا عزيزي القارئ، حتى كُتاب المقالات والأخبار مملون ومنتظمون، يبدأ بمقدمة موجزة جداً ثم يتحدث بعمق وتفصيل ثم يختم برسالة، هل يوجد أكثر من هذا البرود؟! تابع كُتاب صحفنا ، يكفيهم فناً مثلاً اختيار العناوين، تقرأ عنواناً حول إنشاء مشروع مدرسة وتقرأ الخبر لتجده يتحدث عن أسعار الشعير، وصدقني هنا تكمن المتعة الصحفية
 

لذلك سأحاول خلال الفترة القادمة إقناع بعض الجامعات الكندية لابتعاث طلابها لدينا للحصول على حس المفاجأة في تخصص شمنجاحبش الذي ستبدأ حصته منذ حجز تذاكر الخطوط السعودية وحتى المناوشة مع سوّاق التاكسي في البطحاء!

قراءة مُوجزة في كتاب وطنٌ مرّ كالقهوة



في علم الأوطان لا توجد مساحة للتعريفات، كل المعاني قائمة ومتداخلة، لا يمكنك فصل الماضي عن السرعة ولا تستطيع عزل الفرد عن أفكار الناس وأعرافهم، عن ذنوبهم وفضائلهم!

التعبيرات التي تخرج للأوطان عادة تتلبس ثوباً آخر، فالأوطان لا يمكنها استخدام علبة أدوات التجميل، هي لا تستطيع إغراء القلوب بإكتحال ولا تقدر أن تنتصب واقفةً للإغتسال!

يجد التعبير نفسه في مأزق لغوي وسياسي يُجبره على استقراء الأوطان بنظرة تؤدي للهلاك. لذلك أقحمت اللغة الأوطان في ساحة الوصف وعرضته وعرّضت به في سبيل التعبير والشعور.

القريب من تلك الساحة تراه يبتعد عن المشهد السياسي، يبتعد عن الألقاب ومشروعية توزيعها وإعفائها، يبتعد عن التنظير والمثالية. هو يرى الأوطان في تفاصيل الروتين اليومي، في قيمة الجرائد وفي مدة الضوء الأحمر لإشارات المرور. يراها من خلال ما يتعايش معه ويتعايش به، ليس تواضعاً أو تعمد ابتعاد عن ساحة العراك، بل لأن تلك المشاهد هي الأقرب له وهي التي تمثله ويمثلها.

في كتاب "وطنٌ مرّ كالقهوة" عرض الكاتب مسيرة الأوطان عبر نظرية ثقب التلصص وفضول التساؤل التي تقوم عليها مرحلة الطفولة. ابتدأ وليته ما انتهى من بين كراسي الفصول المدرسية، وضع اصبعه بين السطور وما انتزعه إلا بجرح تسببت فيه حدّة الأوراق!

يدمج الكاتب صُوره سريعاً مع سوق الصُحف، يبدو أنه عالق في منتصف أعمدة كُتابها، أو ربما يجمع العناوين في درج واحد مع طوابع البريد. 

لم يذهب بعيداً هذه المرة وحاول رسم بطاقة بين الهوية والوطنية، وَضَعَ علامة ترقيم زائدة فوق تلك الفكرة ورحل، كما هي العادة في كل هذيانات الكتاب. تجدُه حيناً يُحلق في سماء سياسية في سطر خارجي، وفجأة يأتيك هذيان آخر، لتتحول قراءة الكتاب إلى محطات كثيرة، تتشابهُ سوياً كما تتشابه تفاصيل صورنا في تلك البطاقة!

وكما أسلفت، أن القريب من ساحة التعبير يرى الأوطان في مشاهد بعيدة عن بيئة القرارات الأعلى، يراها الكاتب في ابتعاد المسافة الزمينة لتغيير صورة الهوية. هو مشهد ربما يستوقف البعض للاستنكار والبعض للتهميش، فموقف كهذا لا يرفع رصيدي ولن يشفع للحصول على توقيع في ذيل معاملة، هو مشهد لا يقدم ولا يؤخر!


وصِدقاً، لن يحرك هذا شيئاً فهو ليس أكثر من هذيان، فلا تُمني النفس حين تصل لآخر صفحة!

ستقرأ "الوطن .. كل ضربة ركنية تعتلي العارضة"، أقرأت مُسبقاً شعراً ثمل صاحبه ليدمج الرثاء بالهجاء؟

يستنكر الكاتب التعاريف، بَحثَ في قواميس اللغة عن أصولٍ يُـرَوّجُ لها، لكنه عاد يصيغ بحثه هذياناً آخر. وهنا يجوز أن نسأل، هل الهذيان ترويج تلك التعاريف، أم الهذيان عودة صاحبنا بلا تعريف؟

يعود الكاتب مراراً لصندوق ذاكرته، يستذكر حارته وكأنه يتلذذ بحلاوة اشتراها نهاية الأسبوع. ألم أقل لكم أن التعبير بعيد جداً عن خريطة الدول وقريب من أزقة ضيقة تجاهلتها بواخر الزيت وقنينات العود الفاخر.

كلنا للوطن أو الوطن لنا كلنا، مشروع صورة لم تكتمل بعد، هكذا يراها الكاتب باتساعها وضيقها، عبارة لم تعبر محيط الوطن كاملاً. أجاد الكاتب اسقاطها في تساؤل الشراكة واستحقاقه، وبارك للصحف ميلاد مادة يُلونون بها رقاع أي مساحة فارغة بين مُبوبات المفقودات!

ذهب الكاتب لروح الصورة ودبغها، واستخلص بلا اتفاق أن الطمس فرض على وجود كل ماهو فوتوغرافي. هذا مسرح آخر يغازل فيه الكاتب الوطن ويراه فيه عالقاً بين قانون ولا قانون!

لا ينفك الكتاب في سرد تاريخ الهوية والفصول المدرسية، هي مرحلة تَذوّق فيها الكاتب قهوة الوطن وبدأ من هناك ولا زال يبدأ.


حكى قصة "بدل تالف" وتلاها بنشيد وطني، هو لا يريد الابتعاد عن منشأ الأوطان ومنتجاتها، هو يعلم أن نيوتن ما قال قوانينه عبثاً، فلكل فعل ردة فعل، وكل ما يجري في المساحة البعيدة عن الروتين ينحت كلمةً أو عُرفاً ما، هكذا فهمت!

لم يعر الكاتب الخصوصية ولا حتى شعرةً واحدة، لم يطالب بعازل يفصل الجياع في مطعم فاخر، وجعلنا نُقلب التلفاز معه. ظهر الكاتب بصورة أقوى مما كان يتابعه عبر الشاشة، القوة العاشرة، وبالرغم أن قصاصات الكتاب تحوي وقائعاً ساخرة إلا أنه هنا اتضح، وبان سن الكاتب مع برودة التكييف.

جال بعدها الكاتب مع وزير الخارجية في القطار، طالعا سوياً بعض العناوين وصنفا رُكاب القطار حتى لا ينتابهم الملل. بعدها مرّ صناديق البريد من أجل نصوص مسرحية فقط، قلت لكم هو كاتب يهذي، يمزج قهوة الوطن في عرض مسرحي لم تسبقه بروفه

يحتوي الكتاب على مشاهد كثيرة، تجمعها الهذيانات. الجميل أنك وإن مررت بجانب لافتة "يوجد مكان مخصص للنساء" فلن يمر بمخيلتك ما ستُطالعه في هذه القهوة. والأجمل أن الكاتب اتسم بالشراكة والحياد، لم يوزع قهوته لمن يعرف فقط، بل وضعها في خزان سبيل لذة للعاطلين!

أما أنا لو أسهبتُ هنا سأكرر كثيراً من الكلمات، ولكن لو أعدت ارتشاف "وطنٌ مرّ كالقهوة" فإنني سأقرأ في كل مرة هذياناً مغايراً.


يُمتعك الكتاب في حد ذاته كرواية مشوّقة، رغم أني لم أنهي في حياتي رواية واحدة!

لم أندم حتى لتكرار القراءة في ٧٨ صفحة زيّتنها الكاركتيرات والهذيانات معاً. لتحميل الكتاب انقر هنـا

الثلاثاء، 8 مايو 2012

مرسوم بتعيين الفقراء



يوماً ما قرر القضاء
أن نمضي العمر بين الفقراء
علّمنا وأعطانا كل شيء
والفقر يا ولدي شيءٌ يُغنيك
عن توافهِ الأشياء
ليس مُهماً أن تملك بيتاً
وليس مهماً أن تسافر صيفاً
فالفقر في الفقر
يساوي الصيف بالشتاء
ويوماً ما قرر القضاء
أن يُوزع اللحوم بين الناس
فهنا صنفٌ للعلماء
وهنا للأتقياء
وهذي حصة الأغبياء
ثم علّمنا أن نزرع القمح بأيدينا
ونحصده بأيدينا
نشكرهُ شكر الله مسعاهُ
ما علّمنا أن
الحقل مُلكُ الأغنياء!