لم أنم ليلة البارحة في انتظار صباح اليوم لإنهاء بعض الأعمال
أثناء التجول في المجمع لفت انتباهي امرأة طاعنة في السن ومعها طفلة في الخامسة أو السادسة من العمر، ملامحها كأنها حبات من الفيروز المتناثر في وعاء ماء!
زهية البشرة، بهية النظرة، ملائيكة الابتسامة وكأنك تلمح ألوان النجوم وبريقها في عينيها الزرقاوان، يشدك كل شيء بالقرب منها، حتى النسمات التي تتحرك حولها
اقتربت أكثر فرأيت قطعة بلاستيكية ملونة في مرفقها الأيمن وكأنه جبيرة لتثبت الذراع المكسور
سألت المرأة بعد التحية: هل كسرت الفتاة ذراعها ؟
فأجابت بإبتسامة: كلا، لقد وُلدت هكذا دون ذراع!
والطفلة أطرقت برأسها للأرض وخصلات شعرها غطت وجه السماء
اعتذرتُ بخجل، وفي داخلي علامات تعجب من هذا الموقف وردة فعل المرأة المسنّة
فقالت: لا عليك، لا بأس وشكراً لسؤالك، و واصلت مشيها نحو البوابة
كان بجانبي محل حلوى، اشتريت بعض "الكوكيز" وركضت للخارج فوجد المرأة واقفة إلى جانب تلك الملاك
استأذنت قائلاً: أتسمحي لي أن أعطي هذه الطفلة الجميلة بعض الحلوى؟
فردت بالترحيب والقبول
تقدمت خطوة نحو الطفلة، وانخفضت قليلاً لأتحدث معها
تفضلي هذه الحلوى لك يا صاحبة العينان الجميلتان، هكذا انطلق الحديث من القلب لها.
مدت يدها بخجل يكاد يطغى عليّ وشكرتني بصوت مؤلم وبنصف نظرة جعلت أضلاعي تقبض نبض قلبي
حاولت التبسم وقلت لها اسمي وأنني من دولة مختلفة تماماً
فسألتني المرأة: من أين أنت؟
فقلت لها موطني وأنا أخاطب الطفلة وأقول: إنني لم أر أسرتي منذ أكثر من عام
فقالت الطفلة: هذا مؤلم أليس كذلك؟
لم أفكر في إجابة، أأقول كلا بل أنتِ مؤلمة أكثر، أم أقول أن العيش والنظر للأطفال من حولك مؤلم أكثر!!
ولكني قلت: كلا ليس مؤلماً، لأنكم أصدقائي وعائلتي
فقالت المرأة: شكراً لك، هذا لطف منك
اعتدلت في وقوفي وقلت للطفلة أرجو أن تعجبك الحلوى، وانصرفت
عدت لداخل المجمع، وقفت كثيراً بجانب البوابة أفكر في كل التعاريف وكل الكلمات، حاولت اكتشاف حكمة أو عبرة ولكن عقلي الضعيف لم يقوى تحمل ضعف قلبي أيضاً
جلست على حافة كرسي خشبي، أكتب ما دار عبر هاتفي، وكل ما أراه في هذه السطور هو وجه السماء الذي اختصره الباري في عيني طفلة دون ذراع!
18 Aug 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق