قد نتقاسم نحن البُسطاء هذا الأمل في التحليق، وقد لا تخلو ذاكرة أحدنا من أرجوحة كُنا نتسابق نحوها، وكانت أعيننا تُحدق في تلك الأرجوحة من بين نافذة السيارات. نحنُ البُسطاء في كل شيء قد يُسعدنا أي شيء، وكان هذا الإطار المُعلق بسلسلة أو حبل طويل يملأ خرانة الذاكرة بابتسامات وربما ببعض الآلام إثر سقوط أو ارتطام!
ولأننا بُسطاء فقط، كُنّا نُخبئ الأماني خلف أوراق التقويم، ولازلنا نُعلقها على أمل الأيام القادمة. فمن البساطة أن لا يكون نيل الأشياء بسيطاً، قد تدخر الريالات عاماً بعد عام في "حصّالة" من فخار، تودع فيها مع كل ورقة نقدية حُلماً لاقتناء "لُعبة" صغيرة، هكذا نُعلق الأشياء على أمل يشبه فتحة "الحصّالة" الصغيرة.
نكبر وتبقى الصورة حاضرةً، يتسع إطارها قليلاً أو يبتعد مداها إلى داخل الصورة. لم يتغير ذلك الاحساس، الآن أصبحنا فقط نشقى من أجل حُلم عريض أو أمنية أعمق. ومهما كبرنا ستعود إلينا الصورة الأولى، ننظر في المرآة فتُفزعنا ملامح وجوهنا وتقاسيمها، نتأمل في خطوط العمر التي رسمها الزمان فوق جباهنا، نصمتُ فتُخاطبنا الصورة في المرآة، تسألنا "هل تتذكر؟" إنّا لا نُتقن شيئاً سوى استعادة الذكريات، تَرانا نشّمُ الهواء من نافذة الذاكرة، ونستعير بعض الابتسامات من حقول الطفولة، ونقضي هزيع الليل ننسج صور الماضي، هذا ما يعرفُه البُسطاء أيتها المرآة.
حين نتعرض لمثل تلك المُساءلة يُصيبنا الارتياب، نقفز من محط أقدامنا نحو بقعة احتوت تفاصيل حياتنا، نحو مسرح شهِد البكاء والفرح. يجعلنا نقف حيرى أمام الجمادات التي لم تتغير، ونقف ثُكالى لكل شيء اختفى من مكانه ولأجل الوجوه التي رحلت بعد أن ألِفنا وجودها. تُفزِعُنا هذه الذاكرة مع كل علامة استفهام، تَرمينا وسط بحرها كالأيتام، كبقايا حطام لا يعرف إلى أين ينتهي به القرار!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق