الثلاثاء، 29 مايو 2012

السياحة والملابس الداخلية!



يُصادف أحياناً أن تتلون كلمة عادية باللون الأحمر لأسباب مختلفة، لكني لم أجد أكثر من كلمة "الداخلية" تجر ما قبلها وما بعدها نحو علامات الاستفهام. 

كنت، وكعادتي "البايخة" أطالع عناوين الصحف، وكان المُحرر قد أفرد مساحة لخبر مفاده أن أحدهم يُسوق للسياحة الداخلية إلكترونياً. بصراحة لا أعرف حتى مصدر كلمة سياحة ولا منشأها اللغوي أو الاجتماعي ولكن يبدو من اسمها أنها جاءت من أغنية عبدالحليم "سوّاح"، أما السياحة الداخلية فهي مصطلح بالنسبة لي وهمي حيث أنني كانسان أقطن في بقعة جغرافية تاريخية لم أجد مكتب مقاولات عامة يدلك على أي معلم سياحي

من جانب آخر لا أعلم ما المقصود بـ "الداخلية" في عنوان الخبر، ربما هي خطة استراتيجية لتفعيل السياحة "داخل" صالات مغلقة، لأن الجو ما يساعد لذلك الناس "تهج" من البلد صيفاً وتخلد للسبات شتاءاً. عموماً لا أظن أن كثير من الناس يهمهم كون السياحة داخلية أو خارجية، لأنه وبكل بساطة ألفين حافز لا تكفي لسداد فاتورة الجوال وشراء ربع بخاري لمدة شهر أصلاً

من هنا عرفت أن كلمة "الداخلية" تُمثل لغزاً محيراً في لغتنا الشعبية، فكان القدماء يُطلقون هذا الاسم على زوجاتهم، من باب المزح الجاد لدرجة أن أحد معارفي خصص نغمة جواله "إنذار إسعاف" حين تتصل زوجته. ودارت الأيام والقضايا حول هذه التسمية وصارت "نكتة" قديمة غير صالحة للضحك

النكتة الأخرى المُصاحبة لـ "الداخلية" هي محلات الملابس الداخلية التي دارت عليها سنين عجاف لسن قانون واحد فقط، وحتى الآن لا أعرف شخصياً ماذا جرى في هذه القضية الداخلية! ولكني على ثقة أن هذه الكلمة تُسبب حرج أكثر من الحرج الذي تتعرض له النساء في تلك المحلات مما يجعل النقاش حول سن القانون أمر محظور فهو يمس الأسرار الداخلية للبيوت

وتُواصل هذه الكلمة لغزها في النوايا، فالنوايا عقائد داخلية ولكن كثير من الناس يتعاملون معها وكأنها زيّ ظاهري. ذات مرة "كبسوا" عليّ مع أحد محارمي في مكان عام وفي ازدحام أول أيام العيد، وكشف لي هداهُ الله أنه يعرفني ورآني سابقاً في وضع مُخل، أنكرت واستنكرت ولكنه أصرّ فسألني عن لون ثلاجتنا! هنا ثارت حميتي وقلت له: كل شيء إلا أسرار المطبخ الداخلية

كان بودي أن أُبحر أعمق في زوايا هذه الكلمة ولكني مصاب حالياً بصداع وشد عضلي في الأحشاء الداخلية، وبصراحة لا أرغب في البوح عن مشاعري الداخلية منعاً من الحساسية والله ولي التوفيق

الأحد، 27 مايو 2012

شـارع الأبلـه طازة!




أقود سيارتي بشكل شبه يومي للتنقل من مدينة لأخرى وذلك لغرض الدراسة، لفت انتباهي خلال عام من التنقل على هذا الطريق اهتمام مُلفت في جودة عمليات إصلاح الطرق على مدار فصول السنة. وسافر بي "السرحان" لإسفلت بعض طرق وطني. هنا لاحظت أن سُمك طبقة الإسفلت تتعدى العشرين سنتيمتراً، بينما اسفلتنا ليس سوى شريحة مهلبية محفرة. أتساءل، أليس الإسفلت من مشتقات البترول العظيم! فلماذا هذا الشح في الإسفلت؟

في إحدى المرات، وفي طريق الذهاب اصطدمت سيارة بالأسلاك الجانبية للطريق والتي تمنع الحيوانات من عبور الطريق مما أدى لقطع جزء بسيط من الأسلاك. في طريق العودة وفي منتصف الليل، كان العمال يقومون بعملية إصلاح الأسلاك؟ غريبة جداً هذه الخدمة، حيث أن نصف "لمبات" ونخيل طريق الخليج في الشرقية مصدومة منذ عام الفيل!

أحياناً أتعجب من هذه الأعطال والتأخير في الإصلاحات لسنوات وسنوات، ألا يسير مسؤولو الطرق على نفس الشوارع التي نسير عليها؟ أم أنهم يذهبون للعمل بـ "هوليكبتر" حتى يصلوا لمكاتبهم بشكل أسرع ويؤدوا عملهم دون تأخير!

وطار بي "السرحان" نفسه إلى قواعد المرور والسلامة، وهنا أعترف : لسنا ملتزمين بقواعد المرور بشكل دقيق، ولكن أليس من المفترض وجود علامات مرور أولاً حتى نحكم على أنفسنا؟ ففي الشرقية أيضاً وخلال الصيف الماضي كنت أحاول البحث عن علامة "قف" أو حتى خطوط وسط شارع في قلب مدينة الدمام فلم أجد سوى علامات "أمامك مطبات صناعية" وكأننا بحاجة لمطبات صناعية أصلاً!

وبالحديث عن علامات المرور، نعرج حول التسميات الجديدة للشوارع والتي يحتاج كل فرد منا لكتاب تاريخ ومعجم لمعرفة طريق منزلهم! لا أعلم ما الفائدة أو الفكرة وراء تسمية شارع باسم مليجة البهبهاني مثلاً! أليس من المفترض استخدام أسماء أو أرقام واضحة وسهلة لتكون عوناً في إنشاء شبكة بريد مستقبلاً؟ فكيف تقوم بإرسال أو استلام طرد لعنوان منزلك الواقع على شارع "أبلة طازة

لا ننكر وجود ميزانيات هائلة لمشاريع ضخمة تساهم في عملية تطوير المجتمع وتنميته خصوصاً البُنى التحتية، ولكن التخطيط و التطبيق والتنفيذ كان وما زال يشكل مطبات في بلديات كثيرة بمباركة أبلة طازة

الثلاثاء، 22 مايو 2012

سعودية تشرب رد بول!




لازلت وحتى آخر رمق من ابتعاثي مؤمن أن مجتمع المبتعثين يُعتبر جزء من نخبة المجتمع ككل ولو من باب التحصيل العلمي. مع ذلك لازالت هناك تصورات تحتاج منا وقفة جادة لمراجعة بعض التعاريف الاجتماعية المتعلقة بالأعراف والتقاليد.


قبل عدة أسابيع تم الإعلان عن حصول إحدى الأخوات السعوديات على منصب رئيس لنادي عربي في كندا، ومن جانبي أبارك للأخت هذا الإنجاز بغض النظر هل هي تحب برشلونة أو ريال مدريد فتلك قناعة خاصة بها ولأني أشجع ميلان نوعاً ما. بعض المبتعثين ثارت حميته لدرجة غريبة فاستنكر شكل الرئيس الجديد لأنها سعودية ولو كانت غير ذلك ربما لما علّق أحد على الموضوع وكأن كون الشخص “سعودي” يعطيه قُدسية من الدرجة الأولى تتفوق على بقية بقاع العالم! 


وليت بعضهم انتهج مبدأ النصح في السر عوضاً عن الخوض في أعراض الناس دون مبرر، بل ليت بعضهم بدأ بنفسه وأصلح حاله أولاً ثم وزّع فائض التقوى لديه على بقية الخلق!


الغريب أن معظمنا متواجد في بلدان تضم ثقافات مختلفة فتعلمنا التعايش معها من مبدأ انساني وقانوني أيضاً، ولكن حين يصل الأمر لنطاق الجنسية الضيق، تضيق عقول البعض وينسى أنه كشخص مليء بالأخطاء،ليقوم بإضافة المزيد من الخطايا في سلته دونما يشعر


تحاورت مع بعض الإخوة في بداية مرحلة الابتعاث فكان لديهم تصور معين حول الأعراف، وأن العرف الذي كانوا يعيشونه في مجتمعهم هو العرف الصحيح وكل ما يخالفه فهو ذنب لا يُغتفر. بعد زمن يسير بدأوا يغيرون هذه الفكرة المناطقية اللامنطقية لأنها وبكل بساطة عادة معينة وخصوصية لكل مجتمع يُخطئ فيها البشر ويصيبون.


لستُ ضد النصح وتصحيح الأعراف المغلوطة سواء المتصلة بالشرع أو بالمجتمع فقط، ولكن في نفس الوقت مؤمن أنه لابد من اختيار الأسلوب المناسب للحوار والنصح، وفي هذا الجانب تعلمنا أن الحكمة والموعظة الحسنة هي خير سبيل خصوصاً وأننا نعتبر من عامة الناس ولسنا متخصصون شرعيون مثلاً.


مسألة وقوع الخطأ واردة سواء كان الشخص من هذي الجنسية أم تلك، فلا يصح استنكار شيء ما وربطه بأمر ليس له علاقة في الخطأ والصح أصلاً، فالبشر خُلقوا قبل ميلاد مسميات الجنسيات حسب علمي!

الأحد، 20 مايو 2012

شقلبة العنوان الصحفي



يُقال أن المكتوب يُعرف من عنوانه في إشارة لكون معنى العنوان دليل على المحتوى، لكن هذه الاستراتيجية المحترمة لا "تُثير" رغبة القارئ إلا في حال تطابقت إثارة العنوان مع فضيحة بالداخل

في الصحافة الحقيقية، تعتبر صياغة العنوان الصحفي مهارة لاختزال المحتوى في عبارة واحدة، ولكن في صحافة السيرك يعتبر العنوان الصحفي المساحة المخصصة التي يتدرب فيها المهرجون. لذلك يعمد المحررون لاستخدام خيالهم الخصب لابتكار صور "الشقلبة" التي نراها على صفحات الصُحف. ولأن المحرر المسكين ليس لديه وقت يكفي حتى للتشقلب على السرير جيداً، فهو يُرسل شقلبة "أي كلام" للإخراج والنشر

لابد أن نعترف أن العنوان الصحفي ضرورة، فهل لك أن تتخيل صحيفة بلا عناوين؟ ستكون أشبه بالتبولة بدون "برغل". ولكن وبنسبة ما يُمكن وضع العناوين بدون محتوى الأخبار والمقالات، وبصراحة أقترح أن تُجرب بعض الصحف هذه الفكرة من باب الاقتصاد في استخدام الحبر ولإعطاء المحررين مدة كافية للشقلبة

وبما أن العنوان الصحفي ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، أصبح من الطبيعي أن ينتهج المحررون استراتيجية الكذبة البيضاء في العناوين، فالمهم هنا زيادة عدد القُراء ولا ضرر في كذبة بسيطة يكتشفها القارئ بنهاية الخبر، هذا إذا سلمنا أنه قارئ فاضي

في مرحلة ما في الماضي اكتشف خُبراء العناوين أن عنواناً واحداً لا يكفي لكذبة بيضاء، فمن الإخلاص إعطاء العنوان "حقه" فالعنوان في الصحافة هو رأس المال وهو الطُعم الذي يصطادون به الإعلانات. من هنا بدأت الصحف تضع عدد ٢ عنوان للأخبار، عنوان للكذبة البيضاء والآخر يكون بمثابة الاستعطاف أو التطبيل. فإن لم تثيرك شقلبة المُحرر في العنوان الأول، حتماً سيرق قلبك لاستعطافه أو ربما تروق لك رنة الطبل في العنوان الثاني

قد يستغرق المُحرر وقتاً أطول لصياغة العنوان من المدة التي يقضيها لحشو المحتوى، فالمحرر يا سادة ليس خبير شقلبة فقط، بل خبير "محاشي" أيضاً، لذلك تجدون لذة في مطالعة العناوين ففيها نكهة "الكوسى" و متعة الشقلبات البهلوانية بالإضافة إلى الرقص والتطبيل، فهل رأيت صحافة أمتع من هذه؟

الجمعة، 18 مايو 2012

ذاكرة الشتاء




صَدِيقتي
يا قلمْ الشتاء ودفَاتِره
ويا سُكوْن الليلِ البَاردْ
سأبُوح لكِ عنّي فاسْتُرِي
واغفِري ذنباً لَستُ بسَاتِره
أنا يا صَدِيقتي .. واسمحي
أن أُناديك صَدِيقة
أنا مسجون فيك
وفي تَرْسانةِ ما حَولك
وفي لون شَعركِ
وظفائِره
تُهمتي دون تُهمة
وسِجني دون قضبان
وحيداً مِنْ الأَشْيَاءْ
حَتّى مِنْ عَنَابِره
مُنذ مَتّى؟ لا تسألي
لَسْتُ أدرِي يا صَدِيقة
لستُ أعرفْ مَا مَتّى
ضَاعتْ سَاعَتِي
وضَاعتْ مَمَرات فِكْرتِي
ما بقى إلّا أنتِ
ذاكرتي وقَلم الشِتاء ودفاتِره


فلسفة الخروج




أؤمن كثيراً أن الحياة نصٌ مكتوب لذلك وعلى مسرحنا اليومي يُمكننا الخروج عن النص، فالجمهور يُعجب دوماً بهكذا خروج، وتبقى المشكلة أن هذا الخروج قد يُوصلك إلى مُكبرات الصوت المُعلقة فوق بعض المآذن لتُخرجك من الملة.

الخروج مصطلح غير مرغوب فيه فهو عادةً يُدخلك في كل ما لا تريده بالرغم من أنه عكس ذلك، بدءاً من خروجك من الرحم إلى خروجك من الحياة، في كل خروج ستكون مُجبراً على دخول شيء ما، لا يوجد خروج مُجرد يُوصلك لفضاء آخر من معاني الخروج!

الدخول من جهة أخرى يُعتبر روتيناً لكل ما هو مألوف، هو بقاء ضمن إطار جغرافي وفكري لا يتطلب منك حركة إضافية، فيمكنك البقاء مع من حولك لتكون داخلاً ضمن الجماعة في أمل أن تحل البركة. أن تسبح مع التيار هو دخول وانسجام لا يؤدي إلى خلل حسب الأعراف، وحتى الأعراف نفسها تعتبرُ مدخلاً تلقائياً للتسليم والاستسلام.

على النقيض تماماً يكون المسير عكس التيار خروجاً عن المألوف، لذلك تُسمى تحركات الناس عادةً خروجاً على النظام مثلاً.

في أغلب الأحيان يكون الخروج موسوماً بالسلب رغم أن بذرته حسنة، وهنا تختلط مفاهيم الخروج في اللغة إذا اصطدمت بمصطلحات ابتكرها العاملين في "كشك" تذاكر الدخول!

تلقنّا مذ كنا صغاراً أن لا نخرج للشارع، أن لا نخرج من الفصل، وأن لا نخرج عن مضمار الكتاب بسؤال! صرنا نخاف حتى من الخروج من المأزق، لذلك نحن نُفضل الدخول في مأزق آخر عوضاً عن التفكير في مخرج والعياذ بالله!

في صغري تردد على مسامعي مثل شعبي، "امشي سِيـده يحتار عدوك فيك"، ربما هو لا يتناسب في مقام القول هنا ولكني أجده وُلد من صُلب الخروج والدخول. "سِيده" تعني بشكل مستقيم، لا يهم في هذا المثل أن يكون الطريق صحيحاً أم لا، بل المطلوب أن "تمشي سِيده" فقط حتى لو انتهى بك هذا الطريق المستقيم في مثلث برمودا!

الخروج المُباح عادة يكون مُخيفاً أو حزيناً، فإما أن تكون مستعداً في صالة المُغادرين للخروج أو أن تبحث عن مخرج طوارئ للهروب من كارثة أو حريق في مبنىً ما!

أما روتين الدخول فهو الهواء الذي يتنفسه الناس إلا حين يرون لافتة "ممنوع الدخول" وهي فرصة قد يبدو لك أنها فرصة للخروج، لكنّها بالفعل ليست كذلك، فلا يمكنك الخروج مما لا تدخله أصلاً!

المضحك أن الدخول لبعض المواقع يتطلب منك كلمة مرور، ولكن الخروج سهل جداً، بعكس المفهوم الذي يعرفه المجتمع. الخروج في المجتمع يحتاج لكلمات مرور كثيرة، ولكن الدخول يتطلب منك الصمت فقط!

عزيزي القارئ وبعد دخولك هنا أنصحك بالخروج من المدونة، والخروج من المنزل والخروج لنبحث سوياً عن مخرج لا يُدخلنا في سين وجيم!

السبت، 12 مايو 2012

شكشكة الكلمات


الشكشكة، فن من الفنون الجسدية تصحبها بعض الموسيقى، يُقال فلان يشكشك الاستراحة، يعني يرقص بشكل يدعو للشك. وشكشكة الكلمات هو مبدأ التشكيك فيها، ويتعبها التشكيك في النوايا لدرجة تشك فعلاً في نفسك!

ولأن للكلمات شكشكة، وددت مُلاحقة مصدر الشك، فربما يُمكننا بعد قراءة المقال أن نقطع الشك باليقين كما تُقطع التفاحة بالسكين، قلت لكم المقال شكشكة!

حين فكّر مؤلفي معاجم اللغة في مشروع كهذا، كانوا يعانون من قلق الهجمات اللغوية ومن الإختلاط، والعياذ بالله.  وُلدت الفكرة بأمل الإبقاء على اللغة العربية بشكلها الذي يحبون، ولكن جاءت المعاجم والقواميس وكأنها تتنبأ بمستقبل تضيع فيه الهمزة من فوق الألف، تتحول في أيامه الهاء جنسيّاً، وتُصاب الضاد بمُتلازمة العِصي!

ولأن أصحاب المعاجم كانوا قلقين أثناء تبويب المفردات، أصيبت التعاريف بحُمّى القلق أيضاً.  وفي مطالعة سريعة لبعض تلك المعاجم ستثيرك صنوف الأمثلة المضروبة في الصفحات، والمضروبة يا عزيزي القارئ هي وجبة طعام شعبية كانت وليدة الصدفة لنسيان "الرز" مدة أطول فوق النار حتى صار خليطاً مضروباً!

هنا أتساءل، ماذا لو لم يكن القلق، هذا إن كان فعلاً، شريكاً في عملية تأريخ اللغة ومفرداتها؟ ماذا لو كان الدافع لميلاد المعاجم هو الإثراء المعرفي أو التنوّع الكتابي؟

لا أستطيع التنبؤ في هذه اللحظات لأنه، على ما يبدو، أن التنبؤ على الفرضية المسبوقة بـ "لو" توقظ الجن وبعض الشياطين. عوضاً عن قراءة طالع "اللّولوه"، فضلّتُ إعادة تدوير بعض التعاريف في خطوة توعية بضرورة تدوير ما نستهلكه من بقايا طعام وقوارير، وحتى ما استهكلناه من موروثات وأعراف، وليسامحني الله معكم في هذا

كانت مُحاولاتي فاشلة جداً ولم تحصل إلّا على "ريتويت" واحد فقط، والرتيوت كلمة تغريبية أدخلها حزب العاطلين عن العمل في قاموس اليوم، تعني إعادة التغريد، تخيّل أنك عصفور تزقزق فوق غصن الشجرة، ويأتي عصفور آخر ويُعيد زقزقتك مرة أخرى، وهنا كل ما أرجوه أن تكون وجبتك خفيفة لتُغرّد بطلاقة، وأرجوك لا تفهمني غلط

نشرت بعض المحاولات في كتاب الوجه، لا تتعجب فلستُ أحاول "التفلسف"، ولكن كتاب الوجه هي الترجمة العربية "للفيس بوك". بعد النشر هناك لم تكن النتيجة أفضل حالاً من "الريتويت" الواحد، فبعض "الستاتس" بقيت وحيدةً لم تمر عليها نقرة الماوس!

وحتى لا يزعل كُتّاب المعاجم، نترجم بعضاً مما ورد أعلاه. "الستاتس" هي الحالة التي  يكتبها الشخص هناك للتعبير عن حالته حتى وصلنا لمرحلة أصبحت أعرف متى ذهب صديقي للمخبز ومتى جلس الشيخ الفلاني من النوم!

أما "نقرة الماوس" فهي حالة الضغط على الفأرة باصبع واحد في أغلب الحالات، حسب الصناعة!

لن أطيل الحديث خوفاً من أن أتحول لكلمات لا زلت لا أفهمها بشكل تام مثل "مع نفسك" ، والتي منذ أن سمعتها وأنا في خصام مع نفسي!


الخميس، 10 مايو 2012

قَدَر الذراع!





لم أنم ليلة البارحة في انتظار صباح اليوم لإنهاء بعض الأعمال

أثناء التجول في المجمع لفت انتباهي امرأة طاعنة في السن ومعها طفلة في الخامسة أو السادسة من العمر، ملامحها كأنها حبات من الفيروز المتناثر في وعاء ماء!

زهية البشرة، بهية النظرة، ملائيكة الابتسامة وكأنك تلمح ألوان النجوم وبريقها في عينيها الزرقاوان، يشدك كل شيء بالقرب منها، حتى النسمات التي تتحرك حولها

اقتربت أكثر فرأيت قطعة بلاستيكية ملونة في مرفقها الأيمن وكأنه جبيرة لتثبت الذراع المكسور

سألت المرأة بعد التحية: هل كسرت الفتاة ذراعها ؟
فأجابت بإبتسامة: كلا، لقد وُلدت هكذا دون ذراع!
والطفلة أطرقت برأسها للأرض وخصلات شعرها غطت وجه السماء
اعتذرتُ بخجل، وفي داخلي علامات تعجب من هذا الموقف وردة فعل المرأة المسنّة
فقالت: لا عليك، لا بأس وشكراً لسؤالك، و واصلت مشيها نحو البوابة
كان بجانبي محل حلوى، اشتريت بعض "الكوكيز" وركضت للخارج فوجد المرأة واقفة إلى جانب تلك الملاك

استأذنت قائلاً: أتسمحي لي أن أعطي هذه الطفلة الجميلة بعض الحلوى؟
فردت بالترحيب والقبول

تقدمت خطوة نحو الطفلة، وانخفضت قليلاً لأتحدث معها
تفضلي هذه الحلوى لك يا صاحبة العينان الجميلتان، هكذا انطلق الحديث من القلب لها.
مدت يدها بخجل يكاد يطغى عليّ وشكرتني بصوت مؤلم وبنصف نظرة جعلت أضلاعي تقبض نبض قلبي

حاولت التبسم وقلت لها اسمي وأنني من دولة مختلفة تماماً
فسألتني المرأة: من أين أنت؟
فقلت لها موطني وأنا أخاطب الطفلة وأقول: إنني لم أر أسرتي منذ أكثر من عام
فقالت الطفلة: هذا مؤلم أليس كذلك؟

لم أفكر في إجابة، أأقول كلا بل أنتِ مؤلمة أكثر، أم أقول أن العيش والنظر للأطفال من حولك مؤلم أكثر!!
ولكني قلت: كلا ليس مؤلماً، لأنكم أصدقائي وعائلتي
فقالت المرأة: شكراً لك، هذا لطف منك

اعتدلت في وقوفي وقلت للطفلة أرجو أن تعجبك الحلوى، وانصرفت

عدت لداخل المجمع، وقفت كثيراً بجانب البوابة أفكر في كل التعاريف وكل الكلمات، حاولت اكتشاف حكمة أو عبرة ولكن عقلي الضعيف لم يقوى تحمل ضعف قلبي أيضاً

جلست على حافة كرسي خشبي، أكتب ما دار عبر هاتفي، وكل ما أراه في هذه السطور هو وجه السماء الذي اختصره الباري في عيني طفلة دون ذراع! 




18 Aug 2011

الأربعاء، 9 مايو 2012

شمنجاحبش كندي





نصحني أحدهم بأنه علينا كمبتعثين العودة بالنظام والقوانين، ومنذ أن حطّت رجلي في كندا وأنا “ملقوف” في كل شيء نظامي، تعلمت السر وراء صف الطابور واكتشفت خلطات سرية نظامية تغطي على ساهر. عموماً بعد مدة بدأت أشعر بالفتور، فلا مفاجآت في الطريق ولاخرق للنظام العام مما أصابني بتبلد أحاسيس، واشتقت للزمن الجميل، لزمن التحويلات في طريق الظهران وزمن كان “دوّار مجسم الصدفة” في الشرقية يتحول لزحليقة ومواقف وحديقة في نفس الوقت!
 


فحزنت لحال الكنديين، حياة خالية من عنصر المفاجأة البشري، حتى المغازل الكندي ليس لديه جديد فكل شيء مكشوف ومعروف أما لدينا فهناك تنوع قائم على اكشط واربح
 


أخرج كل صباح في كندا لأرى نفس السيارات تسير في نفس الوقت وفي نفس المسار، ماهذا “الطفش” الذي يخيم على الطريق العام، في حين أن لدينا أشخاصاً يقومون بعرض خدماتهم مجاناً لجعل الطريق أكثر تشويقاً، فهناك تزلج على الإسفلت وتفحيط ومهارة التجاوز من تحت الشاحنات
 


في كندا تذهب لتجديد استمارة السيارة مثلا، تنتهي المعاملة في ٤ دقائق و ٢١ ثانية،، شعور مملّ جداً لا كرم ضيافة ولا يمديك تستريح على كراسي الانتظار! أما لدينا فنرحب بك في عالم من اختياري، ففي خطوة لجعل تجديد الاستمارة تجربة فريدة تتفاجأ بوجود ثلاث مخالفات سرعة في مدينة لم تزرها طوال حياتك وهذا يجعلك تفكر أكثر، مما يساعدك على تنشيط النخاع المستطيل
 


في كندا يا عزيزي القارئ، حتى كُتاب المقالات والأخبار مملون ومنتظمون، يبدأ بمقدمة موجزة جداً ثم يتحدث بعمق وتفصيل ثم يختم برسالة، هل يوجد أكثر من هذا البرود؟! تابع كُتاب صحفنا ، يكفيهم فناً مثلاً اختيار العناوين، تقرأ عنواناً حول إنشاء مشروع مدرسة وتقرأ الخبر لتجده يتحدث عن أسعار الشعير، وصدقني هنا تكمن المتعة الصحفية
 

لذلك سأحاول خلال الفترة القادمة إقناع بعض الجامعات الكندية لابتعاث طلابها لدينا للحصول على حس المفاجأة في تخصص شمنجاحبش الذي ستبدأ حصته منذ حجز تذاكر الخطوط السعودية وحتى المناوشة مع سوّاق التاكسي في البطحاء!

قراءة مُوجزة في كتاب وطنٌ مرّ كالقهوة



في علم الأوطان لا توجد مساحة للتعريفات، كل المعاني قائمة ومتداخلة، لا يمكنك فصل الماضي عن السرعة ولا تستطيع عزل الفرد عن أفكار الناس وأعرافهم، عن ذنوبهم وفضائلهم!

التعبيرات التي تخرج للأوطان عادة تتلبس ثوباً آخر، فالأوطان لا يمكنها استخدام علبة أدوات التجميل، هي لا تستطيع إغراء القلوب بإكتحال ولا تقدر أن تنتصب واقفةً للإغتسال!

يجد التعبير نفسه في مأزق لغوي وسياسي يُجبره على استقراء الأوطان بنظرة تؤدي للهلاك. لذلك أقحمت اللغة الأوطان في ساحة الوصف وعرضته وعرّضت به في سبيل التعبير والشعور.

القريب من تلك الساحة تراه يبتعد عن المشهد السياسي، يبتعد عن الألقاب ومشروعية توزيعها وإعفائها، يبتعد عن التنظير والمثالية. هو يرى الأوطان في تفاصيل الروتين اليومي، في قيمة الجرائد وفي مدة الضوء الأحمر لإشارات المرور. يراها من خلال ما يتعايش معه ويتعايش به، ليس تواضعاً أو تعمد ابتعاد عن ساحة العراك، بل لأن تلك المشاهد هي الأقرب له وهي التي تمثله ويمثلها.

في كتاب "وطنٌ مرّ كالقهوة" عرض الكاتب مسيرة الأوطان عبر نظرية ثقب التلصص وفضول التساؤل التي تقوم عليها مرحلة الطفولة. ابتدأ وليته ما انتهى من بين كراسي الفصول المدرسية، وضع اصبعه بين السطور وما انتزعه إلا بجرح تسببت فيه حدّة الأوراق!

يدمج الكاتب صُوره سريعاً مع سوق الصُحف، يبدو أنه عالق في منتصف أعمدة كُتابها، أو ربما يجمع العناوين في درج واحد مع طوابع البريد. 

لم يذهب بعيداً هذه المرة وحاول رسم بطاقة بين الهوية والوطنية، وَضَعَ علامة ترقيم زائدة فوق تلك الفكرة ورحل، كما هي العادة في كل هذيانات الكتاب. تجدُه حيناً يُحلق في سماء سياسية في سطر خارجي، وفجأة يأتيك هذيان آخر، لتتحول قراءة الكتاب إلى محطات كثيرة، تتشابهُ سوياً كما تتشابه تفاصيل صورنا في تلك البطاقة!

وكما أسلفت، أن القريب من ساحة التعبير يرى الأوطان في مشاهد بعيدة عن بيئة القرارات الأعلى، يراها الكاتب في ابتعاد المسافة الزمينة لتغيير صورة الهوية. هو مشهد ربما يستوقف البعض للاستنكار والبعض للتهميش، فموقف كهذا لا يرفع رصيدي ولن يشفع للحصول على توقيع في ذيل معاملة، هو مشهد لا يقدم ولا يؤخر!


وصِدقاً، لن يحرك هذا شيئاً فهو ليس أكثر من هذيان، فلا تُمني النفس حين تصل لآخر صفحة!

ستقرأ "الوطن .. كل ضربة ركنية تعتلي العارضة"، أقرأت مُسبقاً شعراً ثمل صاحبه ليدمج الرثاء بالهجاء؟

يستنكر الكاتب التعاريف، بَحثَ في قواميس اللغة عن أصولٍ يُـرَوّجُ لها، لكنه عاد يصيغ بحثه هذياناً آخر. وهنا يجوز أن نسأل، هل الهذيان ترويج تلك التعاريف، أم الهذيان عودة صاحبنا بلا تعريف؟

يعود الكاتب مراراً لصندوق ذاكرته، يستذكر حارته وكأنه يتلذذ بحلاوة اشتراها نهاية الأسبوع. ألم أقل لكم أن التعبير بعيد جداً عن خريطة الدول وقريب من أزقة ضيقة تجاهلتها بواخر الزيت وقنينات العود الفاخر.

كلنا للوطن أو الوطن لنا كلنا، مشروع صورة لم تكتمل بعد، هكذا يراها الكاتب باتساعها وضيقها، عبارة لم تعبر محيط الوطن كاملاً. أجاد الكاتب اسقاطها في تساؤل الشراكة واستحقاقه، وبارك للصحف ميلاد مادة يُلونون بها رقاع أي مساحة فارغة بين مُبوبات المفقودات!

ذهب الكاتب لروح الصورة ودبغها، واستخلص بلا اتفاق أن الطمس فرض على وجود كل ماهو فوتوغرافي. هذا مسرح آخر يغازل فيه الكاتب الوطن ويراه فيه عالقاً بين قانون ولا قانون!

لا ينفك الكتاب في سرد تاريخ الهوية والفصول المدرسية، هي مرحلة تَذوّق فيها الكاتب قهوة الوطن وبدأ من هناك ولا زال يبدأ.


حكى قصة "بدل تالف" وتلاها بنشيد وطني، هو لا يريد الابتعاد عن منشأ الأوطان ومنتجاتها، هو يعلم أن نيوتن ما قال قوانينه عبثاً، فلكل فعل ردة فعل، وكل ما يجري في المساحة البعيدة عن الروتين ينحت كلمةً أو عُرفاً ما، هكذا فهمت!

لم يعر الكاتب الخصوصية ولا حتى شعرةً واحدة، لم يطالب بعازل يفصل الجياع في مطعم فاخر، وجعلنا نُقلب التلفاز معه. ظهر الكاتب بصورة أقوى مما كان يتابعه عبر الشاشة، القوة العاشرة، وبالرغم أن قصاصات الكتاب تحوي وقائعاً ساخرة إلا أنه هنا اتضح، وبان سن الكاتب مع برودة التكييف.

جال بعدها الكاتب مع وزير الخارجية في القطار، طالعا سوياً بعض العناوين وصنفا رُكاب القطار حتى لا ينتابهم الملل. بعدها مرّ صناديق البريد من أجل نصوص مسرحية فقط، قلت لكم هو كاتب يهذي، يمزج قهوة الوطن في عرض مسرحي لم تسبقه بروفه

يحتوي الكتاب على مشاهد كثيرة، تجمعها الهذيانات. الجميل أنك وإن مررت بجانب لافتة "يوجد مكان مخصص للنساء" فلن يمر بمخيلتك ما ستُطالعه في هذه القهوة. والأجمل أن الكاتب اتسم بالشراكة والحياد، لم يوزع قهوته لمن يعرف فقط، بل وضعها في خزان سبيل لذة للعاطلين!

أما أنا لو أسهبتُ هنا سأكرر كثيراً من الكلمات، ولكن لو أعدت ارتشاف "وطنٌ مرّ كالقهوة" فإنني سأقرأ في كل مرة هذياناً مغايراً.


يُمتعك الكتاب في حد ذاته كرواية مشوّقة، رغم أني لم أنهي في حياتي رواية واحدة!

لم أندم حتى لتكرار القراءة في ٧٨ صفحة زيّتنها الكاركتيرات والهذيانات معاً. لتحميل الكتاب انقر هنـا

الثلاثاء، 8 مايو 2012

مرسوم بتعيين الفقراء



يوماً ما قرر القضاء
أن نمضي العمر بين الفقراء
علّمنا وأعطانا كل شيء
والفقر يا ولدي شيءٌ يُغنيك
عن توافهِ الأشياء
ليس مُهماً أن تملك بيتاً
وليس مهماً أن تسافر صيفاً
فالفقر في الفقر
يساوي الصيف بالشتاء
ويوماً ما قرر القضاء
أن يُوزع اللحوم بين الناس
فهنا صنفٌ للعلماء
وهنا للأتقياء
وهذي حصة الأغبياء
ثم علّمنا أن نزرع القمح بأيدينا
ونحصده بأيدينا
نشكرهُ شكر الله مسعاهُ
ما علّمنا أن
الحقل مُلكُ الأغنياء!


الأحد، 6 مايو 2012

كلب جارتي الكندية




بالرغم من التحريم اللغوي للحديث عن الكلاب، إلّا أنني لا أؤمن كثيراً بالأعراف، خصوصا أعراف الديوك، ربما لأن معظم الكُتاب دجاج لا يبيض!

تُواعدنا الصدفة بين ممرات المبنى السكني أنا وجارتي التي لا أعرف دينها وربما تعرف هي ديانتي، فترسم على محياها ابتسامة وتحية وهي ممسكة برباط كلبها الصغير الذي يعدو بين قدميها وكأنه يحاول لفت انتباه أي مخلوق حوله.

كنت أسير في مواقف السيارات ليلاً أفكر في وجبة العشاء، فنبح الكلب الذي كان يلهو في الشُرفة فأفزعني، نزلت جارتي تعتذر لهذا السلوك الطائش، لأنني ربما قد أصاب بمرض نفسي جراء هذه النبحة وقد أرفع دعوى قضائية لمُحاكمة كلب صغير!


صعدت سيارتي ونسيت وجبة العشاء، واستولى عليّ التفكير في هذا الكلب الذي كان أول المتبرعين لضحايا تسونامي كما قرأت في إحدى الصحف الكندية!


كلب جارتي الكندية، حيوان ذو أربعة أرجل ومن نفس فصيلة الكلاب الضالة في بعض المزارع لدينا، يتم وضعه في غرفته الخاصة إذا زارهم ضيف لا يشعر بالراحة بجانب الكلاب.


هو لديه حساب شرعي في الفيس بوك وقريباً قد يتم تدشين حسابه في تويتر، وللمعلومية لا يجوز عرفاً مناداته باستخدام ضمير الجمادات، بل يقال له "هو أو هي" من باب الاحترام لصاحبته مع أنه شخصياً له احترام قانوني ومدني وبيئي واجتماعي لا يفهمه الكثير!


جارتي الكندية قد يتم استدعاؤها للإستجواب لو تركته وحيداً مدة طويلة، ربما يصل الحال لمخالفتها منعاً لجرح مشاعر هذا الكلب الصغير. في بداية تبنيها لهذا الكلب كانت منظمة مختصة تزور منزلها بشكل دوري للإطمئنان أنه يعيش في مكان مناسب ويلقى رعاية جيدة!


ذات مرة رأيته يهرول مسرعاً لينتشل منديلاً سقط سهواً من جارتي، لا أظنه حريصاً على النظافة بقدر ما هو معتاد على روتين رمي المخلفات في الحاويات وليس في الشوارع والممرات والكورنيش!


كلب جارتي الكندية يمكنه الذهاب معها لممشى خاص للكلاب أو حديقة خاصة أو مسبح خاص سواء كان عائلة أو "عزابي" دون ملاحقة أو مُراقبة من مرور المشي والترفيه، فالنفوس هنا تراقب أنفسها، حتى الكلاب!


طبعاً كلب جارتي الكندية لا يُمنع من السفر بأي قرار، ولا حتى الأمم المتحدة لحقوق الحيوان تستطيع ذلك إلا بتقرير وعذر طبي، حينها ربما يتم نقله بطائرة إخلاء طبي خاصة!


كلب جارتي الكندية لديه بطاقة هوية وشهادة ميلاد، ولا يستطيع أكبر كاتب عمود صحفي "أكبر شنب يعني" أن يطعن في هويته أو يتعدى عليه بحرف أو حتي بنبحة ممثالة!


لا يستطيع أي موظف خاص أو حكومي طرد كلب جارتي من أي مكان أو منع من الدخول لأي مكان طالما لا توجد لافته تقضي بذلك، فالقانون "يمشي" على الكلاب والموظفين بإختلاف رتبهم!


لو صفّ كلب جارتي الكندية في طابور، فلا يحق لأي مسؤول مثلاً أن يتجاوزه للحصول على كوب قهوة في أي مقهى!


كلب جارتي الكندية من حقه مقاضاة من يتعدى عليه حتى بالنظر ويثير الرعب فيه، فأي تطاول أو تعدي عليه يعتبر تعدي على الأسرة!


كلب جارتي الكندية يا رفاق قد يتم عزله من رعاية جارتي لو أساءت له جسدياً أو لفظياً، تخيلو أنها لو قالت له يا حيوان بنية الإساءة فقد يتم تغريمها وسحب الكلب منها ووضع اسمها في قائمة سوداء وتُمنع من الحصول حتى على "قطوة" أصغر!

كلب جارتي الكندية قد "يفعلها" في إحدى الممرات وتقوم هي بتنظيف المكان بأدوات خاصة، صدقني أنك لا ترى قذارة في الشارع بالرغم من كثرة الكلاب هنا، لكنك راقب كورنيش الدمام مثلاً وسترى العجب خصوصاً في دورات المياه!


 كلب جارتي الكندية لديه تأمين طبي شامل ويمكنه الحصول على تأمين على الحياة كما أنه يذهب لصالون التجميل بين الحين والآخر!


كلب جارتي الكندية يحق له أن يمارس هوايته في الركض والمُلاعبة في أغلب الأمكان العامة فهو لا يرى
 لافتة ممنوع التصوير مثلاً!


كلب جارتي الكندية لديه مواعيد خاصة للنوم، وأنا لازلت أقلّب الأفكار حول ماذا ستكون وجبة العشاء هذا المساء؟



الخميس، 3 مايو 2012

جريمة التدين!






جريمة أن نختزل الدين في تغريدة واحدة، ولكنها أحكام التكنولوجيا التي أجبرت حتى المتدينين أن يخطبوا في الناس بمائة وأربعين حرفاً فقط. هنا كشفت لنا شبكة العناكب أن قدرة أصحاب الفضيلة على ممارسة الاختصار والتعايش مع سرعة التفكير ضئيلة جداً، هم يحتاجون لمساحتين من الزمن للتأثير في جموع الناس في صلاة أسبوعية! في حين أنهم أثبتوا غير مرة احتراف اختزال الدين في حُكم مطلق أو فتوى مُرسلة عبر زجاج القنوات الفضائية!

كانت الفجوة واسعة جداً بين عباءة التدين وشارع الخبز، بين العود الفاخر وزجاجات العطر التقليدية، بين الإدغام والعاميّة. ولكنها ازدات اتساعاً كلما كثُر موتى الاختزال.  لا ينفك التساؤل صياغة نفسه أمام مرايا الحياة، كيف لدين أن يُختزل في زُقاق الأفكار؟ بل كيف لرجل دين أن يُعبّر في خطبته عن الناس برواية واحدة يسكبها في كأس رأيه ويُرهمها لتتلائم مع ما يصنعه هو!؟

الأشد غرابة هو انصياع طالبي القمح بسذاجة لأي رأي مرّ بجانب بقايا السواك! وبالرغم من كون التسليم ايمان إلّا أن بعض التسليم يرمي بالأسماك في شرك الصيّاد، هو مشهد متوقف عن الحركة، كنتوء زائد في زمن المعلومة.

عندما تتحول القيمة الانسانية إلى مظهر شكلي تفقد هيبتها فوراً لأنها اكتسبت قوام عارضات الأزياء، فلا يمكن بأي حال الجمع بين أقصى الطرفين في القيمة الانسانية إلّا إن أردنا صناعة التناقض والنفاق. وعلى مرّ العصور التي قرأناها في أوراق التاريخ وجدنا طرف الزهد بعيداً عن ممرات المعارض والمسارح، بعيداً عن مساحيق التجميل وأضواء آلات التصوير.

التدين، كيفما وجد نفسه، قيمةٌ تسبح فوق سحاب الأفكار، هو مساحة شفّافة يحرمُ خدشها برقصة بهلوانية أو تغطيتها بعباءة مطرزة ببعض الخيوط المُـذهبة، فهل يُدرك المتدينون تلك القيمة أم سيقضون النهار بحثاً عن كيس قمح ويُسلِموا عقولهم لمن لا يدلهم على حقول الرزق ولا حقول المغفرة؟

الأربعاء، 2 مايو 2012

غزوة على معاجم اللغة




ننساق خلف معاجم اللغة بحثاً عن أصول الكلمات ولأننا لم نعد نُعرّف أو نُعلل وَجب القيام بثورة سلمية لصناعة المعنى. التعريف ليس حاصل عملية رياضية لذلك من الصعب التهكن بنتيجة الكلمات في عالم هلامي لا تجزي فيه الغربلة. 

بعض الكلمات تتدين النفاق وبعضها مُلحد بوجود المعاني أصلاً، والآخر منها متأرجح بين أصالة الفكرة وابتداعها مما جعلها تتحرر من روتين المعاجم.

لستُ بهذا أحاول طعن عين اللغة ولا أذان الأعراف، فقط أعيد ترتيب الأولويات وفق نظرية العشوائية، ليس أكثر!



. .

التاريخ: علم تأريخ ورصد الأحداث، ومع تأثيرات البيئة تحول لعلم كتابة القصص القصيرة وتفصيلها حسب مقاس الكراسي!

. .

البيان: ضرب من ضروب الأدب العربي وتحول مع التمدن إلى اسم لورقة القرارات هذا من جانب، وإلى البرنامج التالي من جانب آخر!

. .

الصديق: شخص نادر الوجود بالرغم أنه وبالعامية عبارة عن أي عامل آسيوي!

. .

الحب: بضم الحاء هو أحد الأساطير كالغول والعنقاء وزرقاء اليميامة وعلى حد وصف أحد الفلاسفة هو كبعض الدين، ابتكره الناس لملئ الفراغ!

. .

الخازوق: أداة إعدام مخروطية الشكل تُستخدم كتحميلة كبيرة، وقيل هو الرجل "الي واخذ مقلب في نفسه" وعامل شيخ زمانه!

. .

التطوع: فعل اختياري لخدمة المجتمع دون مقابل، وفي لوحة أخرى هو قالب شكلي لمكانة اجتماعية يتطلب بعضاً من الإكسسوارات كالسبحة!

. .

الهياط: داء يصيب بعض العامة لإبراز عضلاتهم وهم ليس لديهم ما عند جدتي، وتفشى مؤخراً في تصاريح المسؤولين

. .

الضمير: أغلى ما يملكه الانسان وهو أستاذ السلوك ومُربي النفس ، ومع العولمة أصبح أرخص سلعة تُباع وتُشترى مع درزن طبول مجاناً

. .

التعايش: مباراة كرة قدم بين فريقين يحاول بعض لاعبيه اللعب بكرة بولنج!

. .

التقديس: في لسان العرب هو التنزيه ومع الزمن حوّله العامة لبعض الرموز، وأصلها من الدقوس وهو السلطة الحارة، يُقال فلان دقوس أي يحب الفلفل!

. .

الترفيه: في لسان العرب يُقال "رفه عن الرجل ترفيهاً أي: رفق به" لم ترد كلمة ترفيه بهذا اللفظ، ولكن ورد الرفق، والرفق لدينا مقترن بمنظمة الرفق بالحيوان

. .

التدين: مظهر خارجي وموضة تُباع بالجُملة، تبدأ بمقاطعة صالون الحلاقة وتمر في محل اكسسوارات رجالية وتنتهي بدورة إدغام!

. .

الوحدة: اسم نادي رياضي في أغلب البلاد العربية، ليس أكثر من ذلك

. .

الصحافة: مؤنث العراقي الصحّاف وفي الشرق الأوسط هي جرائد تُخون في الأولى وتطبل في الثانية وتتبنى الوحدة في الأخيرة

. .

الحوار: اسم حركي "دلوع" لتبادل الشتائم والطعن في نوايا الأفراد


ضمير العدسة!







مؤسف جداً أن العدسة قد تتستر عمداً على بعض الخبايا التي لا تنطق بها الصورة، كتوثيق ابتسامة مُفتعلة أو تغييب وجع يدور حول الزمن آنذاك. المريح أن الزمن نفسه سيعمل على حلّ العقدة المستترة ويفضح تواطئ العدسة في تلك الجريمة، عندها تتحول الصورة إلى تساؤل أو قضية أخلاقية يُعالجها البُسطاء بالترحُم أو اللعن!

أحياناً تفشل العدسة في إتقان حرفة التواطؤ، فيسرق الضوء جزءاً لم يكن في حسبان بؤرة "فاسدة" والله المستعان، كما يكذب الضوء الداخل للعدسة فهو يسرق أيضاً! ونحن لا نستطيع إلا إلقاء القبض على أبعاد الصورة ونوصل أفياشها بمُحولات الفكرة والأشخاص والأشياء.

يقول علماء عرفان التصوير أن الصورة، أياً كانت، تُغني عن ألف كلمة، وبالرغم أن الصورة حالة تجميد لبرهة زمنية إلا أنهم يحكون منها قصصاً أطول بكثير من مدة الكبس على الزر للسماح بخلق الإنعكاس داخل الصندوق! هنا فقط تنعكس الألقاب، أو تنتكس، عندما يقفز الأشخاص من عرفانية الصورة إلى تعريف الكلمات!