الأحد، 3 نوفمبر 2013

ساقطات الشوارع!


 قراءة في فضيلة التدين على قارعة الطريق




لا يمكن بأي حال تجاهل واقع بهذه الفظاعة إلا أن تنطلي حيلة الاعتياد، حين تصبح الحياة لدى الفرد مجرد روتين مكرر لا يدفعه للتأمل، لا يُحرك فيه أيّ مشاعر، بل لا يرى فيه خدشًا لمنظومة الفكر البشري الذي استطاع أن يعبر الزمن بدائيًا يُهشم طعامه بالحجارة والعصيّ إلى أن بلغ الفضاء والنواة.

ما يجري في الشوارع يُمكنه اختزال مكنون المجتمع بكل تفاصيله، قضاياه، همومه، وعيه وانسجامه من عدمه. وبما أن المجتمع المتدين عبر هالة ضخمة من مظاهر وتعابير التدين يطرح نفسه كقدوة فكرية وانسانية نظامية فهو يدّعي حمل مخزون وافر من الأخلاقيات المُعتبرة التي تصقل فيه الممارسة الحسنة للحياة والتعاطي الحسن كذلك مع الآخرين.

الواقع يبدأ من تشييد الطرق والبنى التحتية التي أكد المطر على فشلها في أكثر من جهة، وعند هذه البداية تأكيد على اهتزاز خصال الإخلاص واتقان العمل، التي بدورها تعتبر قيم أخلاقية دينية منصوص عليها في أكثر من موضع.

تسير بين الشوارع فتسقط المبادئ والقيم المزعومة واحدة تلو أخرى. من النادر الملفت أن ترى طريقًا يخلو من النفايات، أقلّها قوارير بلاستيكية وعلب المشروبات الغازية. تقدم نحو شواطئ "الكورنيش" قليلًا بعد ليلة خميس، نفسهم من تسامروا حدّ الاعياء إلى فجر الجمعة يتركون مخلفاتهم وقِطع الخبز وبقايا الطعام مسرعين للنوم والاستيقاظ قبيل أذان الظهر للاستعداد للصلاة. هُم أنفسهم من كان يردد "النظافة من الايمان" عبر الاذاعة المدرسية كحل سريع لفقرة "حديث شريف"، أخبرتكم أنه مجتمع متعمق التدين في تفاصيل وجهات كثيرة تصل لإذاعة الصباح، وأبعد من ذلك!

أما السير وسط الزحام والاختناقات المرورية حكاية حرب في شوارع يشهد لها العالم بأنها الأعلى نسبة في إزهاق الأرواح! فلا قيم إفساح الطريق حاضرة ولا فضيلة الالتزام والصبر تمر من هناك، وتذكر هم أنفسهم من يستبسلون في دفاعهم عن تلك القيم وإلصاقها في تدينهم عبر مقالات وشعارات لم تجدِ نفعًا!

تسلك مسارًا آخر في طرقات المؤمنين، تجد امرأة تسعى بين إشارات المرور تسأل الواقفين، أخرى واقفة منذ ساعة تحت أشعة الشمس على رصيف الانتظار إلى الجانب الأيمن من بوابة المستشفى، وثالثة اضطرت لأن تُشير لسيارة أجرة عابرة ربما يقودها مجرم سابق. هي مشاهد حَقن فيها خطاب الوعظ معاني الكرامة بالمقلوب إثر حسّاسية الهوس التي تبتر مفهوم الانسان وفق أعضائه التناسلية! لأنه على ما يبدو أن قيادة المرأة ستخدش من حياء الفضيلة القابعة في شوارعهم أو ربما تثير حواس مجتمع يتغنى ليل نهار بالجوار والأخوة والشهامة وأنه من أخلص خلق الله بينما يعجز عن غض نظر واحترام امرأة تقود سيارتها، قد تكون ابنة جاره أو قريبته أو أمه وعمته، كل تلك الأرحام والجوار التي يتفنن في تعديدها عند نظرية التكريم تختفي عند الحقوق!

على الطرقات السريعة تعكس اللامبالاة أريحية التعدي على الآخرين، ينعطف كل منهم كيفما شاء بلا مُداراة لوجود الآخرين، لأنه حقًا لا يعتبر لهم وجود ولا لرأيهم في أي مكان أي قيمة أمام وجوده، هكذا يترجمون الفضيلة، هكذا يرون التسامح والنظام وحقوق الطريق! وعند نُقاط الانتظار تظهر علامات الاستحقار ليسقط ما تبقى من قيمهم المزعومة، تقف في مسارات اشارة ضوئية فيختلس أحدهم معبر ضيق ليحتل مرتبة متقدمة أمامك، لا تهمهم فكرة الانتظام في المسار، لا قيمة لكل الواقفين، لا حق لهم في العبور لأنهم جاءوا أولًا، الجميع نكرة، ومن الذكاء أن تستغل أي منفذ للعبور، هكذا باختصار يذهبون لأماكنهم المقصودة، كالبنيان المرصوص، كالرحماء بينهم!

الحقيقة أن الشوارع أصدق انعكاس لما تحمله المجتمعات، إن ما تراه في الطريق هو نتيجة طبيعية لمحتوى وسلوك ما يُلقنه الفرد، حين تغيب عنه الحرية ستسقط مبادئه في الشارع، ستفضح زيّف الايمان بالفضيلة والأخلاق مسارات الزحام، سيفقد المجتمع ماء وجهه أمام نفسه أولًا وسيكون عاريًا من كل ما يدّعيه لأنه بلا حرية لا يمكنه الاختيار، لا يمكنه الايمان فيفقد بالتالي حاسة الانسجام، لأن المطلوب منه أن يتقمص دورًا مكتوباً، ليس أكثر!

لذا، آمنت على الطريق أنه لا جدوى لتدين يحمل شعارات القيم والمبادئ دون أن يدفع لتأصيل الأخلاق ضمن إطار قانوني يكفل حق الجميع للإيمان، للسير وللحياة!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق