تصوّر جيلًا كاملًا ومنذ طفولته تم تلقينه بأنه لا فاكهة إلّا التفاح، وذلك من قِبل جماعة تُطلق على نفسها "حزب الصحة"، وأنه لا يوجد أنواع أخرى من الفاكهة سوى التفاح فقط!
تقوم هذه الجماعة بحظر الفواكه الأخرى بحُجة الصحة العامة وإقناع الصغار أن تناول أي فاكهة أخرى أو حتى محاولة لمسها لاستكشافها وتذوقها يؤدي لمصير مجهول. ولتدعيم هذه القناعة وترسيخها في المجتمع ينتشر أفراد هذا الحزب الصحي بين الأوساط العامة وعبر لقاءات دورية للترويج للتفاح وتوضيح مضار الفواكه الأخرى. فيقوم "أخصائي التفاح"، لقب العضو المحسوب على الحزب الصحي، بإلقاء محاضرات توعوية للأطفال تشمل قصصًا ومواعظ حول محاولة أحدهم عدم تناول التفاح وإصابته بمرض خطير في الغدّة الدرقية، أو حكاية عن تلك الفتاة التي جربت تقشير التفاحة، وهو المحرم في نظرهم، فتحول القشر إلى أفعى سامّة التهمت جسد الفتاة المتمردة العاصية، والعديد من الروايات المنقولة المُدعمة بمؤثرات صوتية وتعبيرية لزوم الحبكة الدرامية.
كما تتسع دائرة فضيلة "أخصائي التفاح" ليقوم بتجريم كل ما من شأنه فتح باب للتساؤل حول نظرية التفاح. على سبيل المثال، يتم حظر كل مصدر يحتوي على معلومات حول البرتقال، المغضوب عليه لدى حزب الصحة، فلا يمكن لأي فرد حتى رؤية البرتقال أو القراءة عنه. ولتسهيل مهام الحزب التفاحي تم اعتبار الكتب المتحدثة عن البرتقال وغيره من الفواكه جريمة وفتنة لا يأمن الفرد التفاحي من تبعاتها وآثارها السيئة فقد يُبدّل مذاقه، ولديهم من يُبدّل مذاقه يُقطع لسانه ليكون عبرًة لكل من تُسول له نفسه امتهان التفاح.
وستقوم هذه الجماعة بتكوين لجنة لمراقبة أفراد هذا الجيل والسعي لحظر من كل ما من شأنه كسر قواعد التفاح. لجنة تحمل في شعار الدعوة للصحة والسلامة والرغبة لحماية المجتمع من فساد الفواكه الأخرى لدرجة مطاردة ومداهمة من تظنه خرج عن قضمة التفاح المباركة حتى لو أودت بحياته للهلاك، فهي لجنة في نهاية المطاف لها هدف صحي، فإما أن تكون صحيًا كما يريديون أو فلا بأس أن تموت!
وعلى نطاق أوسع اختلف حزب الصحة حول التفاح الأحمر والتفاح الأخضر، وكل قسم يرى أن تفاحته فقط هي الفاكهه. بدأ جماعة الأحمر بإخبار أتباعهم أن الأخضر منبع الأمراض وحتى لو بدا لونه لامعًا إلّا أنه فاسد من الداخل، في المقابل قامت جماعة الأخضر باتهام الأحمر أنه هجين من الكمثرى الملعونة.
بعد كل هذا التلقين والمنع والإقصاء، الذي يُسمى استبدادًا، سينخرط المجتمع مُرغمًا في عملية الرضوخ تحت مسمى "الايمان بالتفاح"، وفي حقيقة الأمر هو لم يؤمن فعلًا لأنه لم يكن له حرية اختيار أصلًا. ثم يصل المجتمع لمرحلة وهمية عميقة حيث يبدأ بتصديق كذبته على نفسه، ويبدأ يمارس طقوس تناول التفاح كمسايرة لما هو مفروض إلى أن تبلغ هذه المرحلة درجة التبعية العمياء.
سيكبر الجيل بلا إدراك عن مئات أنواع الفواكه الغنية بالفيتامينات والمذاق اللذيذ، سيكبر كل مُحب للون معين معاديًا لأخيه لاختلاف مذاق واختيار، كل ذلك رغم أنهما لم يكن لهما حرية اختيار فاكهة من بين كل تلك الأنواع. سيكبر الجيل ليُورث جداله وسذاجته وخلافه مع الآخرين لأجيال المستقبل، بينما مجتمعات التعدد والحرية تكبر مستقلة الاختيار تضم ألوانًا من مختلف الفواكه، مبدعًة في ابتكار العصائر والأطباق، مُتحابة في تبادل الأفكار والوصفات والاختراعات وممتنًة لنعمة الوجود.
سيكبر الجيل مصابًا بألف لعنة من الغباء أمام عالم ينمو بتسارع مُذهل، سيكبر وقد أفنى حياته تابعًا ليس لحزب صحة بالفعل، بل مُستغفلًا بواسطة تُجار تفاح يُسوقون بضاعتهم لتنمو ثرواتهم وإن ادّعوا أن همّهم صحتك وحياتك فواقعهم يُنبئ بالكذب، ويبقى الجيل بكل سذاجة يُصارع من أجل تفاح فاسد!
بعيدًا عن سوق الفواكه والخضار، إن استطعت تصوّر كل ذلك، فحاول أن تفكر لتصبح قادرًا على الإيمان حقًا.
بعيدًا عن سوق الفواكه والخضار، إن استطعت تصوّر كل ذلك، فحاول أن تفكر لتصبح قادرًا على الإيمان حقًا.
صورة دقيقة للحالة الحرجة التي وصلت لها مجتمعاتنا تحث ظل التلقين من لوثة فكرية يصعب تداركها ...طرح جدير بالتأمل شكرا لكم
ردحذفارجو ان نصبح افضل من التبعيه الحمقاء
ردحذف