الوطن، ليس مجرد تراب. الوطن قلب كبير يجمع كل نقاط الدم، ويصدر منه كل النبض نحو كل خلية فتنتعش بالحياة وتنمو. هنا وفي غربة عن الوطن، رأينا الوطن يخطو نحو الفكرة الأروع، اندماج من مختلف خلايا الوطن، في جسد واحد، في عمل واحد، ونحو غاية أسمى تحت عنوان الإنسانية. الغربة ربما تكون حاجزاً للبعض، ولكنها لدى الكثير تتحول لجسر تواصل وبناء فكري. وفي كل يوم نتقدم خطوات، نحو تحطيم مبدأ العنصرية بشتى أنواعه. أن تعيش بعيداً عن مجتمعك الصغير وتخرج من فقاعة الحدود والأعراف، إلى مجتمع التباين الفكري والإجتماعي، تجد نفسك قريباً من أبناء جلدتك بشكل أكبر.
رائع جداً هو الحوار الذي يصفي القلوب ويجمعها، والأجمل أن يكون الوطن هو وقود هذا الحوار وثمرته في آن واحد. الحياة كلها قائمة على مبدأ الإختلاف، ولكنها مجتمعة في صفتها. كذلك هو الوطن، يحتوي على العديد من الإختلافات الفكرية والإجتماعية، ولكنه مُجتمع في كينونته. الغربة والوطن كالمطر والأرض تماماً، يحن أولهما لتقبيل تراب الآخر. نحن، مجتمع المبتعثين، مطر الوطن، علينا أن نولد في الغيوم بكل نقاء، لنتساقط حباً على تراب وطننا. لا يهم أن يكون شكل القطرة مختلفاً، بل المهم أن نلتقي على حب الوطن وخدمته، أن نلتقي بقلوبنا وعقولنا كي نجعل أرضنا تُنبت حقولاً من المعرفة.
حوارات كثيرة نخوضها كل يوم حول رياضة معينة أو أكلة شعبية مفضلة و قد نختلف في تفضيل مدينة على أخرى ، ولكن يبقي أن نوظف هذه الحوارات لتعزيز روح التواصل والمحبة التي لابد وأن تكون حاضرة لخلق بيئة تعايش إنسانية بشفافية عالية بعيدة عن الأحقاد وسوء الظن. لذلك أجد أن الإنطلاق في التواصل لابد أن يكون قائماً على مبادئ الفضيلة، أو ما يسمى بالإنسانية في التعامل. البشر جميعاً إما إخوة في الدين أو نظراء في الخلق وهذه نظرية تعزز مبدأ الجماعة.
الغربة والإبتعاث مزيج صحي جداً لأن نقوم بعملية إذابة منطق الإختلاف السلبي. ولعل تكاتف أبناء الوطن مع إخوانهم في جدة مؤخراً دليل على وجود الأرضية الخصبة لزرع روح الأخوة الوطنية. كما أن تظافر الجهود في إبراز الأنشطة المختلفة في بلد الإبتعاث على أيدي أبناء وطننا بمختلف ميولهم ومنشأهم، وهم يعملون لغاية نبيلة، يعزز الترابط الوطني والإنساني. إن المسؤولية كبيرة على المبتعثين جميعاً و الأولى بهم بأن يكونوا هم من يرفض حواجز الإختلاف الجغرافي أو القبلي أو غيرهما. ولتكن حياة الغربة محطة لبناء مجتمع نقي خال من أي نزعة "تفريق".
دعوة للجميع لحرق صفحات التباعد الفكري، واستغلال تراب الوطن الذي ولدنا عليه لأن نكون ينبوع الماء فيه، الذي يجعل كل شيء يحتويه حي. لنفكر بوطنيتنا أكثر، و لنقترب من الآخر لنكون أقوى وأذكى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق