الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

صحوة ما بعد الصحوة!






لا شك أن الحياة، أو حق الفرد في الحياة، لا يحتمل سوء الفهم، هو حقه بغض النظر عن مفاهيم أي جهةٍ كانت، حياته ليست حقلَ تجاربٍ لأفكار الآخرين.

حين تكون لديك قناعات وفهم مُستنبط من ثقافةٍ أو تاريخٍ ما، بالطبع ستكون مُعتقدًا أنك على صواب، وهذا لا خلاف حوله، لك حق ممارسة ذلك والتعبير عنه كحق أصيل مكفول للانسام. لكن الخلاف أن تظن بذلك أنهُ لك الحق في جعلِ فهمك وقناعاتك قوانينًا لغيرك، من باب اعتقادك الداخلي أو المُتأثر بالمُحيط بأن فهمك وقناعاتك هي الحقيقة.

كل فرد يتحمل مسؤولية قناعاته وفِهمه، وليست مسؤوليته تحديد فهم وقناعات الآخرين فيما يتعلق بالمساحة الخاصة للفرد، كاعتقاد واقتناع شخصي أو وجداني. وهذا بالطبع لا يعني أن له الحق في الاقتناع بالتعدي على الآخرين وتطبيق اقتناعه كنوع من الحقوق، لأن التعدي ليس حقًا لأحد في الأصل.

القانون هو منظومة ضوابط وتعليمات تضمن لك اختيار فهمك وقناعاتك، كما يضمن لغيرك ذات الأمر. لا يمكنك تحويل فهمك وقناعاتك، الايمانية وغيرها، إلى قوانين مُلزمة للآخرين، لماذا؟ ببساطة لأن ذلك فهمك أنت، قناعاتك أنت، وإلّا فتقبّل أن يفرض الآخر فهمه وقناعاته كقوانين إجبارية عليك!

البعض، وفي حقبةٍ زمنيةٍ قريبة، كانوا يُدافعون عن فِكرٍ ما ويرون أنهُ الصواب ويجب تطبيقه كقانون إلزامي أو كأعراف ثابتة أو حتى كعادات وتقاليد متوارثة، يرون أن من حقهم تطبيق فهمهم حتى على الآخر الذي لا يؤمن بذلك الفهم ولا بتلك القناعات، فتعرض هذا الآخر للإكراه والمُلاحقة والتلقين، واضطر لمُسايرة تسلط ذلك الفكر لسنين طويلة من عُمره.

بعد عدة عقود، بات أولئك يرون فهمًا آخرًا، فهمًا مُقاربًا لما كانوا هم أنفسهم يقفون ضده ويمنعون الآخرين منه، بل باتوا يرون فهمهم الحالي -الذي كانوا ضده- قانونًا إلزاميًا، ويُبررون بكل برود بحجة أنهم كانوا "شاب متحمسين ومندفعين" غير آبهين لمن تضرروا وسُحقت حياتهم إثر مبدأ "تحويل الفهم الخاص إلى قوانين وأعراف". ليس ذلك فحسب، بل ويعتبرون المختلف معهم في هذا الجانب ضالًا وفاسقًا، كما كانوا يفعلون في السابق تمامًا.

ركّز جيدًا، أصبحوا يعتقدون أن فهمهم الحالي, الذي كانوا ضده ويصفون من يُنادي به بأبشع التُهم، أصبحوا يرونه هو الحقيقة، وأن المُخالف لهذه "الحقيقة" ضال استنادًا على ذات المبدأ السابق "تحويل الفهم الخاص إلى قوانين وأعراف"، وأيضاً غير مُبالين لحياة الآخرين المختلفين معهم في الفهم والاقتناع!

الذي يفعله هذا السلوك الإقصائي، أيّاً كان توجهه ومصدره، مهما كان اسمه وانتماؤه ومذهبه، هو تعطيل الحياة وتجميدها في قالب آحادي، لأنه سلوك يُحول من فهمه إلى قانون وأعراف وثقافة إلزامية، في حين أن القانون يجب أن يكون المادة التي تحفظ لجميع المُختلفين حق الفهم والاقتناع!

- السؤال، من يُعوض المختلفين الذين كانوا يُنادون بالفكر الحالي؟ ومن سيعوض المختلفين الذي ينادون بفكرٍ آخر يُعتبر اليوم ضلالًا؟

الحرية كان يمكنها الإجابة على هذا السؤال، لأنها كانت ستضمن أن يكون القانون هو المُحدد لحفظ حق كافة الأطراف لاختيار قناعاتهم وعدم تطبيقها على غيرهم.


الثلاثاء، 24 يناير 2017

دغدغة حقوقيات الفاشنيستا!

من أغنية هواجيس - ماجد العيسى





حين تريد معرفة حقيقة ايمان الفرد بمبادئه، قدم له ميزة، حفنة مال، منصبًا، وانتظر قليلاً!

بعد عدة سنوات من ثورة شبكات التواصل تعرّت الكثير من الأجساد والأفكار معًا، لم تكن عالمًا افتراضياً، بل كانت حقيقة مجتمع تظهر في صور وتغريدات و"سنابات".

أشد هذه الظواهر بروز شخصية الحقوقية الدلوعة، على غرار "مطلقة دلوعة". عدة مُعرفات وشخصيات كُن ينادين ببعض المطالبات الحقوقية المشروعة، وبعد تقلبات جوية معينة تحولن فجأة إلى "دلوعات" لا يختلفن كثيرًا عمّا يُسمين في الوسط العام "الدرر المصونات".

كاتبات في صُحف ومشهورات وناقدات كُن يبكين يوميًا ويُطالبن ببسالة حتى لأتفه ممارسات الانسان الطبيعي، ثم وكما كان متوقعًا، سقطن في وحل الاستخفاف بالأُخريات، فقط لأن ظروفهن تبدلت، تحسنت، أو استرزقت!

كنت ولازلت أثق بأن "غيرة" الأنثى من نظيراتها لتكون محط اعجاب ولفت الأنظار هي السبب الرئيس في هضم حقوقها. هي حقوقية في شرنقة فاشنيستا، أو في محارة درة مصونة، لا يختلف أبدًا.

يحملن عقلية تافهة جعلتهن يتنازلن عن مواقف انسانية من أجل شهرة وارضاء تيار ما، والحصول على زاوية في صحيفة ربما، ليُشعرن أنفسهن أنهن أفضل من غيرهن وأجمل من غيرهن ومحط اعجاب أكثر من غيرهن، أو ربما تبحث عن عريس بطريقة "الهجمة المرتدة"!

بين الحين والآخر تظهر شخصية جديدة في هذا الجانب، قبل عدة أشهر تجدها تستجدي وتطالب لحقٍ بسيط، والآن تقول لك بأن هولاء المُطالبات لسن سوى مراهقات سخيفات همّهن فقط القيادة والخروج ولا يفقهن شيئًا في الحقوق.

وهذا قمة في السقوط، ولنفترض أن هذا صحيح، أن همّهن قيادة "سيكل"، أليس هذا حق بديهي وليس من شأنك تحديد أنه سخيف أم عظيم، وليس من واجبك الحُكم أنه مهم أم سطحي، هو حق وواجبك أختي فاشنيستا الحقوق أن تخرسي فقط.

من الدناءة أن تمري في مُعاناة وتقاسي خلالها، ثم حين تتحسن ظروفك تقفي ضد من بقين في المعاناة، بل وأن تستحقري مشاعرهن ومطالبهن. ومن العُهر الفكري أن تكون كل تلك المطالبات والكلمات والمشاعر التي كنتي تعانيها مجرد مسرحية وجسر لبلوغ مكانة "إعلامية" وشُهرة وبعدها تتحولي إلى بوق من العفن.

يمارسن حياتهم وينلن حقوقًا لم يروها في حياتهن، وفي نفس الوقت يستهزئن بما يعانين ظروفًا مختلفة!

معظم نساء العالم حين يبلغن مكانةً ما، يقفن مع بنات جِنسهن بشكل شريف جدًا، يقفن بقوة وببسالة مع الانسان، وهؤلاء الوصوليات ما أن يبرزن قليلًا إلاّ وتحولن لمُساندات لتلك القيود التي كُن يبكين بسببها!

المضحك أنهن يدافعن عن مواقفهن المُخزية بأسلوب بائيس وتعيس، بأسلوب استهزاء واستحقار لغيرهن، ثم يتحدثن عن الأدب والفكر والوطنية والاحترام!


والمؤسف حقًا أن كثيرات جدًا كُنا نحسبهن ذوات موقف انساني، لكن المواقف أثبتت أنهن لسن أكثر من أحذية "شانيل" تقليد.

وقلةٌ جدًا من انسجمن مع مواقفهن ولازالن على ذات الموقف النبيل، على الأقل لم يبيعوا أفكارهن وعقولهن.

هو أمر طبيعي في مجتمعات لا تُثمن قيمة الحرية كركيزة أساسية، لذلك لا تعي معنى الحقوق أصلًا.

ظروفك ليس هي معيار تعريف الحقوق، فهمك وإرثك ليسا وحدة قياس للحقوق، وبالطبع مصالحك وشهرتك ليست منظار ترين من خلاله ما هو الحق المهم وما هو الحق السطحي.

الحق الذي لا يفيدك ولا تراه مهمًا قد يكون مُنقذًا لعشرات الآلاف غيرك، فلا تكن سافلاً مرتين وتُعادي لمجرد تحصيل مهنة صحفية مثلًا أو تذكرة سفر!

وحتى لو لم يكن الحق مفيدًا ولا منقذًا، حتى لو كان مطالبة بعود أسنان، هو حق وانتهى الكلام.

أحيانًا يتم الحديث عن بعض الحقوق الهامشية والترفيهية ليس من باب السخف والسطحية بل لايضاح أنه إن كانت حتى هذه الحقوق التافهة الهامشية محل استنكار ومنع، فما بالك بالحقوق الأكبر!

الأشياء البسيطة والتفاصيل الصغيرة ليس مهمةً لذاتها فقط، بل لما تعكسه من فكر ومعرفة، لأنه يمكنك استشفاف فكر أي مجتمع من أبسط مظاهره وسلوكياته الصغيرة على الطريق.

أخيرًا، ميزة قضايا المرأة في كل مكان أنها أصبحت أيقونة انسانية، ومنخلًا يفرز لك الصادق من المنافق، فكل من يُعادي حق انسان، بغض النظر عن نوع الحق وقيمته، يسقط فورًا في المستنقع.


ملاحظة: كل الاحترام للفاشنيستات الحقيقيات.


حسين منصور








الأحد، 26 يوليو 2015

حياة يا مُحسنين!



إن طاوعني المنام أستيقظ في هذه المدينة متبلدًا كالأمس تمامًا، رغم ذلك أحاول جرَّ قدميَّ للنهوض مُحاربًا روتين الأيام المُمل.

في هذه المدينة ومنذ الساعات الأولى تجدُ لعنات تُهشم كل البدايات على مسارات طريقك إلى مقر عملك، بالقرب من عبورك شتم عربي آسيوي في حادث سير، رجل مرور مُتعب من عناء الوقوف طويلًا، مُتسمرًا ربما في محادثة نصية عبر هاتفه، عن اليمين تكدس لعمالة تنظيف الشوارع في صندوق مركبة نقل ترافقهم أشعة الشمس دونما استئذان، عن الشمال أطفال في حافلة مدرسية يأخذون حصتهم الصباحية درسًا في فنون الفوضى وعِراك الطريق ثم يذهبون للطابور وحصص الأدب والأخلاق والعلوم!

تُعيد النظر أمامك، لافتات وصور عملاقة ضمن إطارات وطنية، لوحات إعلانية وأذكار على جانبي ذات الشوارع المُكتظة بالكُتل الاسمنتية في كل مكان، تُلاحظ  امرأةً تُوقف سيارة أُجرة، تتأم فيما حولك تجد النساء فقط في المقاعد الخلفية مع سائقين من الخارج!

عُدت في المساء، أُفتش عن ما يُسمى في كل المُدن الحيّة "وسط المدينة"، أُفتش عن ممرات أنيقة أو عنوان متحف ومعرض فنّي، حسنًا، أبحث عن متنزة جانبي ونافورة حديقة من حولها يجلسُ قُراء، أبحث عن مقاهي لا تحضرها ريبة العوازل والفواصل والحواجز والتكدس المُعنون جنسيًِا للرجال/للنساء، أريد مقهى للانسان فقط دون اعتبارات ساقطة. هُنا يخرج الناس من مُعتقلات منازلهم الصبلة إلى سجون أخرى المطاعم، الترفيهُ أن يتناولوا وجبةً بخوف من الحياة، تجلس الريبة معهم على المقاعد وبين الطاولات!

عرّجتُ عشوائيًا لجهة أخرى، أبحثُ ربما عن عازفة قيتار تضع قبعةً على الرصيف ولافتةً تقول: "لستُ متسولة .. أنا أجمع المال لمركز رعاية المسنين" أو كنت أُنقبُ عن رسام يُلون بعض الجدران الشاحبة أو يُطهر الرصيف الرمادي التُرابي، لم أجد سوى قوارير المياه الفارغة وعُلب المرطبات والمناديل!

كُنت أُمنّي النفس بمشهد لقاء عفوي، عناق عفوي، قُبلة عفوية، أي شيء بسيط أو عفوي، لم أجد سوى فِرقاً من المُراقبين والوعاظ يتعقبون كل شيء، حتى أحذية النساء وأقمشتهم وأظافرهم ونوايا الناس!

مدينة كل مافيها يشبهُ الصحراء من حولها، متشابهة في كل شيء، أزياء الذكور والإناث، طلاء المباني وتصاميمها، تضاؤل الخُضرة من سعفات النخيل، تكوّمُ الغبار على الواجهات الزجاجية، هي جغرافيا شاذّة عن الحياة تُنبئُك عن سطوة فكرية متوغلة في كل مفاصل العَيش!

كنت أود مقابلة الحياة، لكنها اعتذرت، وكُنت غبيًا أبحثُ عن الحياة في مدينة موتى!



الأحد، 5 يوليو 2015

فتاة ليست رخيصة في الرياض!



مرّت سنواتها الخمسة والعشرين سريعًا رغم بطئ عقارب ساعة الحائط في منزل جدها. فقدت والدها في سن السابعة، وعاشت غريبةً بين حُجرات منازل أقاربها، تارةً توبخها خالتها، مرةً ينهرها أخوها، واعتادت حياةً لا تشبه الحياة، اعتادت غرفتها الضيقة وصُراخ من حولها، اعتادت وطنًا لم تعرفهُ حتى اليوم!

بعثت لي رسالةً تشكو فيها قدرًا لا يُنصف، ومجتمعًا لا يُنصف، وسماءً تبدو حالكة السواد رغم إشراقة الشمس كل يوم، فالأيام لديها تشبهُ حدود المقابر، تشبهُ اللحّد الذي وضعوها بداخله من قبل مهدها، من قبل قُبلات والدها الذي تركها بين طوفان العيب والحرام، فقط لأنها أنثى!

وصلتني رسالتها كغيرها من المكسورات خلف أسوار البيوت، خلف قضبان السجون الاسمنتية!

تقول:

أبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا، هل تفهم ماذا تعني هذه السنوات أيها الغريب؟ هل تفهم كيف كنت أعيش ولازالت مسجونة بأعراف لم أخترها، مسجونة بجريمة لم أرتكبها، مسجونةً بذنبٍ لم أقترفه أبدًا!

وُلدت لأسرةٍ عادية جدًا، مع أختي وثلاثة من إخوتي، ولا تهم أعمارهم فجميعهم يكبرونني في الحياة والحقوق وكل شيء لأنهم ذكور فقط، لأنهم خُلِقوا ذكوراً هكذا وشاء القدر تلك اللحظة أن أكون أنثى!

وتضيف: لا أريد الكلام عمّا جرى وكيف مرت السنوات، أنا أتحدث عن اليوم، عن حياتي المؤجلة التي أخلفت مواعيدها منذ زمن، أتحدث عن اليوم، هل تفهمني؟ 

أرجوك افهمني، أنا لست سخيفة، لا أريد منك شيئًا، و لا أريد شيئًا عظيمًا، أريد أحدًا يفهمني لو مرةً واحدة فقط!

لم أغادر حدود فناء المنزل إلا للجامعة التي كانت بمثابة سجن آخر، بهواء آخر، رُعبٌ ينتابني كل يوم للذهاب والعودة، الكُل يراقبني، الكل ينظر إليّ وكأنه يتحين مني زلةً واحدة، لماذا تأخرتي عدة دقائق؟ لماذا لم تذهبي اليوم للجامعة؟ لماذا ولماذا؟ وأنا مطلوب مني دليل على كل شيء، كل شيء يظنونه هو حكم قضائي، وأنا على أية حال متهمة!

أسكن منزل أُسرتي في الرياض، أنهيت دراستي بعد سنوات أربع، بقيت أبحث عن عمل لأعيش منه، لأشتري لنفسي حاجياتي الخاصة، وبعد عام ومحاولات مضنية وجدت عملًا براتب متدني، ولكني أود أثبات نفسي، أبسط شيء من حق الانسان أن يُحاوله هو إثبات نفسه، وقفوا في وجهي، في اليوم التالي جاءت أمي تخبرني عن وجود "عريس"، هذا هو المنقذ، وكأنه من الواجب أن تكون حياتي عورة وناقصة لا تستقيم إلا بوجود ذكر!

جاءت أُسرة "العريس"، ورفضت النزول من حجرتي، رفضت أن أمشي أمام أعين نسوة يتفحصن جسدي ليصفنه لابنهم أو أخيهم، أنا لست رخيصة، أنا لستُ رخيصة. رددت هذا أمام خالتي وأمي، ودون جدوى أرغموني على النزول!

هل أنت معي؟ هل تفهم ما قلت في الأعلى؟ هل تشعر بالفعل؟ هل تعي ما أقول!

سأُكمل ولا يمهم من يفهم ومن لا يفهم، نزلتُ على عتبات الدَرج، وحولي أمي، خالتي، بنات خالتي، وأيضاً أطفالٌ صغار ينظرون إليّ بدهشة وخجل، لا يعرفون هم أيضاً مصير حياتهم وسط هذا المجتمع!

نزلتُ كضحية يجرّها الجزارون، كبضاعة كاسدة يريدون الخلاص منها، كوعاء صدِئ ليس له مكان في خزانات المنزل!
هذا هو شعوري، هذه هي الحقيقة، هذا ما فعلوه بي وأنا ابنتهم، أنا من لحمهم ودمهم، وأنا من يسمونني شرفهم!

كل هذا في سبيل أن يقفوا أمام حلم عملي، أمام طموح بسيط تُحققه أي فتاه أخرى بالعمل وحفظ كرامتها من السؤال والتفضل، كيف يحبونني وكل يريدونني أن أبقى عالة على أحد، يريدون إلقائي على رجل يشتريني منهم ليُريحوا ضميرهم الميت!

كل هذا لأنني وجدت عملًا، من حُسن الحظ أن الزيجة لم تتم، لم أُعجب أخوات "العريس" الجبان ولا أمه، هذا أفضل ما حدث، حمدتُ ربي كثيرًا لهذا الأمر!

أصررت العمل، ونجحت أخيرًا، وبدأت معاناة المواصلات، ألم أخبرك أنه يجب أن نكون عالة، كل شيء في هذا المجتمع مُرتب لكي نكون عالات وناقصات، حتى العمالة تستغل ظروفنا، قُرابة نصف راتبي يذهب للسائق.

أمضيتُ عامًا بعناء المواصلات، وكلمات خالتي، وعمّتي الجارحة بين الحين والآخر، اقترب العيد، ولا تعرف أيها الغريب أنني لا أعرف ما معنى العيد، كانت آخر ابتساماتي بحضن أبي في العيد قبل ثماني عشرة عامًا مضت!

منذ مولدي لم أسافر لمكان، لم أخرج من هذه الحدود، بل ليس لدي جواز سفر! أنا ابنة خمسة وعشرين عامًا، أنا مواطنة في وطن يطلب مني التذلل عند أحد ذكور العائلة كي يستخرج لي جواز سفر، ثم التذلل مرةً أخرى للسماح لي بالسفر، بدأت أشك أنني مواطنة، أشك أنني موجودة!

زميلاتي في العمل يتحدثن عن سفراتهن، عن خروجهن، عن متعة السفر، يتحدثن عمّا يمتلكن من حاجيات لم أرها سوى عبر زجاج الدكاكين وإعلانات التلفاز، أنا لستُ فقيرة، لستُ مُعدمة، لكني بلا حياة، بلا اختيار، ظروف زميلاتي ساعدتهن على الأقل لمعرفة شعور السعادة البسيط، أما أنا فيتيمة من كل شيء، حتى من أبسط مشاعر الفرح!

هذا أيها جزء من السجن، سطرُ واحد فقط من مآسي تتكرر كل لحظة، ولك أن تتصوربقية تفاصيل ما نعيش، لك أن تكون انسانًا وتشعر بشيءٍ مما نُعانيه!

أنا أخبرتك، لا أريد منك شيئًا، فقط هل فهمتني؟ هل تشعر بي وبآلاف المسجونات بالأقدار والظروف الملعونة؟ إذا فهمت ، فشكرًا لك، وإن لم تفهم، فنحن اعتدنا خيبات الأمل!




الثلاثاء، 23 يونيو 2015

اُرفض كل شيء!








يسألني
أنت فقط مستاء وغاضب؟
عِوض اللعن
أشعل شمعًة تضيء المسير
أنا يا رفاق
لستُ مهتمًا لأغضب
أُمارس تهكمي لأني
أرفض عيش البغال والحمير!

أنا مجرد انسان بسيط
لست ساحرًا ولا مشعوذًا
لا عصيّ لدي ولاطلاسم
أصنعُ بها أملًا يوقظ أُمة الشخير!

مُهمة أقلام الحرية الكتابة
ليس أن يوزعوا الثروة بالعدل
أو يقضوا بالعدل
وأن يبنوا مشفىً ومدارس
تلك يا رفاق مُهمات "الضمير"!

أنا لن أكتب عن الأمل
تريدون من يوهمكم ذلك؟
اذهبوا ابتاعوه بأعماركم
من متاجر الوعاظ وشعراء البلاط 
أنا أعترف، وللأسف
لستُ قلمًا أجير!

الأحد، 7 يونيو 2015

حذاءٌ عربي!




لماذا أنت وفيرُ التشاؤم!
تستاء من كلٍّ شيء حدّ الضجر!
لماذا أنت تشبهُ لعنةً عمياء
ترى السوادَ في كل شيءٍ
وظلاميُ النظر!
لا شيء أبدًا
اعتبرني يا سيدي غبيًا
أُفضلُ قصائد الحريةِ
على أقفاصٍ من ذهب
وأُفضلُ الموتَ حُرًا
وأفضل قبرًا في السماءِ
على بناءِ عُشٍّ من خشب!
لا شيء أبدًا
لا تقرأني بمنخارك سيدي
الوحلُ لا يقرأُ الضوءَ
الوحلُ يا سيدي كما قيل
يصيبُ الروح بالعَطب!
ولا شيء صدقني
كل ما في الأمر
لصوصٌ سرقوا أباك وأبي
غارقون بالنعيم بأرضنا
والشكر لهم والثناء لهم
وبالطبعِ لا ضرر
لماذا الغضب!
لا شيء أبدًا
مُجردُ جياعُ عدلٍ
يموتون بالجُملةِ كل يومٍ
تسحقهم أحذيةُ اللصوص
في الشوارع كالقطط
لماذا يا سيدي العجب!
لا شيء أبدًا
صوتُك مخصيٌّ
هي نعمةٌ يا سيدي
هي حكمةٌ من دون سبب!
لا شيء أبدًا
لا عليك مني
أخبرتُك اعتبرني غبيًا
واذهب للتبضع
اشترِ حذاءً من دكاكين العرب!

الاثنين، 6 أبريل 2015

قيمتك بعضوك التناسلي!



تصوّر أنك في مجتمع يزعم الفضيلة، ثم حتى عندما تكون في مُقتبل العُمر تُحرم من اتخاذ قرار يخصك أولًا وأخيرًا وذلك بناءً على نوع عضوك التناسلي؟

هل فهمت جيدًا؟ عضوك التناسلي يُحدد مصيرك!

هذا التصور البسيط يشرح لك مصطلح "مجتمع العورات"، هو المجتمع الذي تتكون أعرافه وقوانينه ومنازله ومطاعمه وكل أماكنه العامة، أزياؤه الرسمية، وكل تفاصيله الصغيرة ومظاهرة الكبيرة، كلها مُكوّنة وفق أنواع العورات، قسم لأصحاب العورة الذكورية وقسم للعورات الأنثوية، مدخل لهولاء ومدخل آخر لأولئك!

يحق لك، في حال امتلاك عضو ذكري وبأي سنٍّ تبلغه، الخروج وقتما تشاء، التنقل كيفما تشاء، السفر حيثما تشاء، ارتداء ما تشاء، بل يُشفع لك حتى "العُهر" تحت ذرائع عديدة تُسمى اجتماعياً "ما في شيء يعيبه" و "حامل عيبه" وعند جماعة أحب الصالحين تُسمى "رجاااال، ذييب"! كل ذلك فقط لأن الجينات التي شكلّت وجودك كانت "ذكورية"!

من يمتلك عضوًا ذكورياً تتحول عورته لصك شرعي يغفر له ذنوبًا وفيرة لا يغفرها للجنس الآخر، لأن الفكرة ببساطة، فكرة عورات مخصية!

بينما حين تكون الجينات أنثوية فالأمر مختلف تمامًا، لا يحق لك شيء إطلاقاً منذ مولدك وحتى دفنك إلا بموافقة سامية من أحد مُلاك الأعضاء الذكورية. أنت كانسان "أنثى" مرهون لدى التواقيع والتصاريح والموافقات، حياتك مّهمشة بغض النظر عن عُمرك وكفاءتك وقدراتك وعقليتك، بل وبغض النظر عن كونك انسان في المقام الأول!


وعلى سبيل المثال، كانسان عمره ١١ عامًا يمتلك عضوًا ذكريًا يتجول مشياً أو بدراجته الهوائية "بسروال وفانيلة"، يخرج من المدرسة وحيدًا،  دون أي تبعات اجتماعية أو مساءلات قانونية أو تُهم عُرفية. بينما كانسان يبلغ الثالثة والعشرين من العمر لكنه دون عضو ذكري ستُمنع من الدراجة، من الخروج من الجامعة إلا بتصريح أو مرافق رسمي، تُمنع مما يجوز لطفل ذكوري في الحادية عشرة أن يفعله دون وجلٍ أو ارتياب.

وفي حال تجاوزك لمفهوم "العورة"، في حال اختيارك للون مختلف لقماش العباءة أو تفصيلها، أو عدم ارتدائها بنحوٍ ما، أو تغير في شكل غطاء الوجه أو غيابه، تتلقى سيلًا من القذف والاتهام في شرفك وكرامتك، لأن الشرف كما يبدو مقتصر أيضاً على نوع عورتك ونوع الأقمشة، وليس لعقلك وانسانيتك!

تسعى هذه الفكرة لطمس هويتك أو إبرازها حسب جِنسك، هي تشبهُ إلى حدٍّ كبير ذات الفكرة التي يستنقصون بها حقبة الجاهلية، بينما هُم يمارسونها بشكلٍ أو بآخر. كما كان وأد الإناث، كما يزعم التاريخ منتشرًا حينها، هاهو يُبرر أيضاً بصورةٍ أخرى مبنية على ذات مبدأ العورات. تُحدد حياتك، حقوقك، قراراتك حسب قدر ميلادك ذكرًا أم أنثى!

ويتعدى الأمر لأن يُعتبر التكوين الفيسلوجي، الجِنس، معيارًا للتحكم في حاضر ومستقبل الفرد. كونك ذكرًا لك قرار اختيار ما تدرسه ولو نسبياً، قرار تحقيق رغباتك المستقبلية دون الحاجة لموافقة كائن حي له عضو ذكوري كي يتسنى لك فعل ذلك!

بينما عدم امتلاكك لتلك "العورة" يُحتم عليك الانتظار والتحمل والإقناع، والرضوخ لقرار الذكر إن رفض أمرًا بسيطًا يخصك، كاختيار تخصصك الجامعي!

المُضحك أن صُناع هذه الفكرة، يروجون لها بدعوى الحفاظ على فضيلتهم من الإنجراف للفتنة. بمعنى آخر، إما أن يتسلطوا وينتهكوا حق الجنس الآخر الذي يعتبرونه "ناقص عقل"، أو أنهم سيعثون فساداً، وأن فضيلتهم لم تُسعفهم لاحترام حق بديهي لانسان فقط لأنه يمتلك عورة أنثوية! هُم فُضلاء لدرجةٍ لا يمتلكون حلًا قانونياً أو انسانياً يُروض من فضيلتهم الجنسية!

ثم، لا أفهم كيف لناقص عقل أن يجرَّ "كامل عقلٍ وفضيلة" إلى الفتنة، بل كيف يزعمون الفضيلة وهي مقترنة برذيلة الإقصاء وانتهاك الحقوق؟!

وتفشي هذه الفكرة في مجتمعٍ ما، مؤشر لبشاعات عديدة أخرى، فالمجتمع المُكون بالعورات هو حتماً فاشل في مجالات أخرى، في الأخلاق، المعارف، الحريات، الفنون، التحضر والانتظام. يمكنك استقراء المجتمعات دون الحاجة للتعمق فيها، فقط انظر نمط تعاطيهم مع الانسان المختلف،  مختلف جنسياً، عقائدياً، قبلياً، عِرقياً وهكذا!

لذلك، حيث تغيب مفاهيم الحُرية، حتماً تضمحل الانسانية، وتفقد الفضيلة كل معانيها، فهي ليست فضيلة، بل رذيلة تتحين وقت حدوثها!