الأحد، 26 يوليو 2015

حياة يا مُحسنين!



إن طاوعني المنام أستيقظ في هذه المدينة متبلدًا كالأمس تمامًا، رغم ذلك أحاول جرَّ قدميَّ للنهوض مُحاربًا روتين الأيام المُمل.

في هذه المدينة ومنذ الساعات الأولى تجدُ لعنات تُهشم كل البدايات على مسارات طريقك إلى مقر عملك، بالقرب من عبورك شتم عربي آسيوي في حادث سير، رجل مرور مُتعب من عناء الوقوف طويلًا، مُتسمرًا ربما في محادثة نصية عبر هاتفه، عن اليمين تكدس لعمالة تنظيف الشوارع في صندوق مركبة نقل ترافقهم أشعة الشمس دونما استئذان، عن الشمال أطفال في حافلة مدرسية يأخذون حصتهم الصباحية درسًا في فنون الفوضى وعِراك الطريق ثم يذهبون للطابور وحصص الأدب والأخلاق والعلوم!

تُعيد النظر أمامك، لافتات وصور عملاقة ضمن إطارات وطنية، لوحات إعلانية وأذكار على جانبي ذات الشوارع المُكتظة بالكُتل الاسمنتية في كل مكان، تُلاحظ  امرأةً تُوقف سيارة أُجرة، تتأم فيما حولك تجد النساء فقط في المقاعد الخلفية مع سائقين من الخارج!

عُدت في المساء، أُفتش عن ما يُسمى في كل المُدن الحيّة "وسط المدينة"، أُفتش عن ممرات أنيقة أو عنوان متحف ومعرض فنّي، حسنًا، أبحث عن متنزة جانبي ونافورة حديقة من حولها يجلسُ قُراء، أبحث عن مقاهي لا تحضرها ريبة العوازل والفواصل والحواجز والتكدس المُعنون جنسيًِا للرجال/للنساء، أريد مقهى للانسان فقط دون اعتبارات ساقطة. هُنا يخرج الناس من مُعتقلات منازلهم الصبلة إلى سجون أخرى المطاعم، الترفيهُ أن يتناولوا وجبةً بخوف من الحياة، تجلس الريبة معهم على المقاعد وبين الطاولات!

عرّجتُ عشوائيًا لجهة أخرى، أبحثُ ربما عن عازفة قيتار تضع قبعةً على الرصيف ولافتةً تقول: "لستُ متسولة .. أنا أجمع المال لمركز رعاية المسنين" أو كنت أُنقبُ عن رسام يُلون بعض الجدران الشاحبة أو يُطهر الرصيف الرمادي التُرابي، لم أجد سوى قوارير المياه الفارغة وعُلب المرطبات والمناديل!

كُنت أُمنّي النفس بمشهد لقاء عفوي، عناق عفوي، قُبلة عفوية، أي شيء بسيط أو عفوي، لم أجد سوى فِرقاً من المُراقبين والوعاظ يتعقبون كل شيء، حتى أحذية النساء وأقمشتهم وأظافرهم ونوايا الناس!

مدينة كل مافيها يشبهُ الصحراء من حولها، متشابهة في كل شيء، أزياء الذكور والإناث، طلاء المباني وتصاميمها، تضاؤل الخُضرة من سعفات النخيل، تكوّمُ الغبار على الواجهات الزجاجية، هي جغرافيا شاذّة عن الحياة تُنبئُك عن سطوة فكرية متوغلة في كل مفاصل العَيش!

كنت أود مقابلة الحياة، لكنها اعتذرت، وكُنت غبيًا أبحثُ عن الحياة في مدينة موتى!



هناك 16 تعليقًا:

  1. أتمنى التواصل معك كيف لي ذلك أرجو الا تهمل رسالتي

    ردحذف
    الردود
    1. kant.empty@gmail.com

      دون رجاء منك، يشرفني تواصلك.

      حذف
  2. Even though the reality is horribly sad and depressing, but you do have a striving soul for a good life. Don't lose it

    ردحذف
  3. وصف رائع ؛ دقيق ؛ مؤلم.أبدعت👏👏👏

    ردحذف
    الردود
    1. هي تفاصيل الحياة الغائبة، شكراً لك

      حذف
  4. نبشت جرحٌ كآد ان يبرى.

    ردحذف
    الردود
    1. لا يُبرئ الجرح سوى الرحيل، النسيان لم يعد مجديًا. اعتذاري لك

      حذف
    2. اعلم ان ماتكتب عنه موجود لكن تركيزك عليه بماذا يفيدك سيدي ليست الحياه بهذا السوء مساء جميل لروحك

      حذف
    3. الشعور الصادق لاإرادي
      ممتن لك

      حذف
  5. اتمنى تفتح الدايركت بتويتر .. فيه ناس ودهم يناقشونك والله ❤️

    ردحذف
  6. كل ماتتامل بحثًا عنه موجود. ولو كان وجودة اكثر من عدمه مما يجعله لا يُلاحظ حتى، هذا لا يعني انه هو بحد ذاته معنى الحياه.
    كيف تبحث عن اشيا في غير مكانها.

    كل تعليق كتبته هنا فالبلوق ماكان على الكلام بالذات بكثر ماهو نقاش معك على كل كلام قريته لك.

    ردحذف
  7. تفاصيل الحياة الغائبة👍🏼
    التأمل يُشفي.. لا تجعلك تأملك يقتلك

    ردحذف
  8. شكرًا لك رغد
    ممتن لكل جزء من الوقت قضيتيه هنا

    ردحذف
  9. فعلا وصف دقيق لواقعنا المؤلم اهنيك ❤️

    ردحذف