الأربعاء، 25 يوليو 2012

لا تهتم كي لا تُتهم!




تصوّر أن تستيقظ كل صباح مُتهماً، تستفيقُ الأشياء من حولك موجهةً أصابعها نحوك، تغسل وجهك أمام حضرة القاضي كي لا تُراودك المرآة عن نفسها، وتتناول وجبة الإفطار بحليب طازح وطني، وتبقى متهماً بلا شيء وبأي شيء!

تسير إلى مدرستك محمولاً أمام حقيبتك، حقيبة تحوي ما يجب أن تحفظه وتؤمن به، حقيبة من فرائض وواجبات، هي حقيبة كان امتلاكها فارغةً شعوراً لا يضاهيه فرحاً سوى ركلة "الكابتن ماجد" المطبوعة فوقها، كان امتلاكها فارغة سعادة تشرنقت حين امتلأت كتباً توزع مجاناً ولا تُباع!

وباتساع الأرض التي تحملك، وبتضاريسها التي تشكلت في تقاسيم وجهك فإنك مُلزم للإثبات، ومُلزم بالتحذير والامتناع، فالتهمة ليست أكثر مما تتفوه به، فحاذر أن تُعرف أو تتعرف، وانتبه أن يزلّ الشخص الطيب فيك ويتحدث، فالطيبة هنا تقتضي الصمت، وهو واجبك الأول والأخير

قد تقضي سني عمرك متأرجحاً بين الصُحف وكُتابها أو بين خطبةٍ وضحاها، ليس مطلوباً منك استنكار شيء، فالوقت كالسيف، وهو أثمن من أن تفنيه مُستنكراً وخيرٌ أنه تقضيه نكرة!

تشبُ أو تُصاب عَرضاً بالشيّب ولاتزال متهماً في بياض شعرك، فربما تمشي "في أمان الله" مُجبراً على تقصي وقت أذان العشاء، ومُجبراً للتأكد من شرعية خطوات من "تسير" إلى جانبك حتى لا تُلقي بنفسك في "الجمس".

تجد نفسك في كل موقف مطلوباً للتبرير، مطلوباً لأن تحلف وتبصم وتهز رأسك بالإيجاب والقبول، فالجدال كما ورد في القواميس تُهمة!

ربما يُقدر أن تخوض حواراً، فأكثر من "أتفق" فهو السبيل لأن تدخل تحت مظلة "فرقة ناجي عطالله"، إن كنت ترى وبطيبة نواياك المعهودة أن قيادة المركبة غير محددة بجنس السائق، فلا تُفصح ولا تؤيد فالتُهم هنا لا تُعد ولا تُحصى، فسهلٌ أن تُبتكر الألقاب والأسهل أن تُرمى في وجهك تُهماً تتلوها أخرى.

إن كان لك رأي، فقلّبه في جوفك، ثم ارجمه بحجارة من سكوت، تعلّم أن تكون حصاناً خشبياً، فهل سمعت عن أخشاب متهمة! لا تُتهم الأخشاب أبداً، حتى وإن كانت مستورة "تغريبية"!


يا صديقي المُتهم، كل ما عليك فعله أن تتعلم ألا تهتم كي لا تُتهم

الأربعاء، 18 يوليو 2012

البساطة بكل بساطة!




تُجبرنا البساطة أن نعود إليها أكثر كلما غضب التعقيد وانتشر، حتى في شرب الماء ترانا نتكل على أقدم مبادئ الابتكارات البشرية، فهل الحياة تحتاج للبساطة أم هي بسيطة في ذاتها؟

التطور البشري، بكل أنماطه، لم يعد يصارع الوقت فحسب، بل هو في عراك مع مفاهيم وسلوكيات عديدة . وُجد الانسان بسيطاً، فكانت الحياة بسيطة لا تحتاج لربطة عُنق ولا إلى "ملمع" أحذية، وُجد عارياً منزوعاً من التعقيد إلا من "فطرة" المبادئ والقيم، لم يكن يحمل بيديه بنادقاً بل كان يكتب بريشة السلام، لم يلجأ لدبلوماسية في الخطاب كي يصطاد سمكة، كان همّه الوحيد أن يمارس البساطة كما أنها تُمارسه

ولأنه انسان، أخطأ في التقييم، وأخطأ في التفسير فاقترف ذنباً أخرجه من جنة البساطة إلى أرض مُعقدة. ولأنه انسان أيضاً نسي المبادئ رغم أنها مسؤوليته الوحيدة هنا، نسي ما الذي يتوجب عليه فعله، ففعل كل شيء

يقول بعض الفلاسفة أن الخُلق الفاضل ليس نابعاً من الاهتمام بالشيء، بل هو أصل موجود ضمن قوالب المسؤوليات في الانسان. بمعنى أن الأخلاق الحَسنة لا تحتاج لتربية على حس الاهتمام، بل وبكل بساطة هي تحتاج لتحفيز في أصل الانسان فقط

ربما لا يرى البعض فرقاً في ذلك طالما أن النتائج متساوية، ولكن الفرق يَضح لو أسقطنا الفكرة على الحياة المادية. في ليس ببعيد تطورت ابتكارات وسائل الاتصال بشكل معين، بشكل يصح أن نقول عنه مُعقد، ولأنه لا بديل للتواصل حققت تلك الصناعة منحى ايجابياً "مادياً" جعلها تسير أكثر في خطوات التعقيد. ولكن وقفت "بساطة" الانسان جداراً وسط هذا المشوار أجبرت الشركات للعودة لبساطة التعامل مع الجهاز، عادت إلى تفعيل تقنية "الإصبع" الذي به يُشير الانسان

مهما وصلت البشرية إلى تعقيدات كثيرة تراها تعود لأصولها البسيطة، لا يمكن للانسانية التخلص من مبادئها في أي تعامل، وإن حاولت ستُجبرها "ثورة" البساطة للعودة، وإن جاهدت ستهدمها مطرقة بسيطة كان الانسان يسخدمها لطحن قمح أو عجن حبة طماطم!