الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

صحوة ما بعد الصحوة!






لا شك أن الحياة، أو حق الفرد في الحياة، لا يحتمل سوء الفهم، هو حقه بغض النظر عن مفاهيم أي جهةٍ كانت، حياته ليست حقلَ تجاربٍ لأفكار الآخرين.

حين تكون لديك قناعات وفهم مُستنبط من ثقافةٍ أو تاريخٍ ما، بالطبع ستكون مُعتقدًا أنك على صواب، وهذا لا خلاف حوله، لك حق ممارسة ذلك والتعبير عنه كحق أصيل مكفول للانسام. لكن الخلاف أن تظن بذلك أنهُ لك الحق في جعلِ فهمك وقناعاتك قوانينًا لغيرك، من باب اعتقادك الداخلي أو المُتأثر بالمُحيط بأن فهمك وقناعاتك هي الحقيقة.

كل فرد يتحمل مسؤولية قناعاته وفِهمه، وليست مسؤوليته تحديد فهم وقناعات الآخرين فيما يتعلق بالمساحة الخاصة للفرد، كاعتقاد واقتناع شخصي أو وجداني. وهذا بالطبع لا يعني أن له الحق في الاقتناع بالتعدي على الآخرين وتطبيق اقتناعه كنوع من الحقوق، لأن التعدي ليس حقًا لأحد في الأصل.

القانون هو منظومة ضوابط وتعليمات تضمن لك اختيار فهمك وقناعاتك، كما يضمن لغيرك ذات الأمر. لا يمكنك تحويل فهمك وقناعاتك، الايمانية وغيرها، إلى قوانين مُلزمة للآخرين، لماذا؟ ببساطة لأن ذلك فهمك أنت، قناعاتك أنت، وإلّا فتقبّل أن يفرض الآخر فهمه وقناعاته كقوانين إجبارية عليك!

البعض، وفي حقبةٍ زمنيةٍ قريبة، كانوا يُدافعون عن فِكرٍ ما ويرون أنهُ الصواب ويجب تطبيقه كقانون إلزامي أو كأعراف ثابتة أو حتى كعادات وتقاليد متوارثة، يرون أن من حقهم تطبيق فهمهم حتى على الآخر الذي لا يؤمن بذلك الفهم ولا بتلك القناعات، فتعرض هذا الآخر للإكراه والمُلاحقة والتلقين، واضطر لمُسايرة تسلط ذلك الفكر لسنين طويلة من عُمره.

بعد عدة عقود، بات أولئك يرون فهمًا آخرًا، فهمًا مُقاربًا لما كانوا هم أنفسهم يقفون ضده ويمنعون الآخرين منه، بل باتوا يرون فهمهم الحالي -الذي كانوا ضده- قانونًا إلزاميًا، ويُبررون بكل برود بحجة أنهم كانوا "شاب متحمسين ومندفعين" غير آبهين لمن تضرروا وسُحقت حياتهم إثر مبدأ "تحويل الفهم الخاص إلى قوانين وأعراف". ليس ذلك فحسب، بل ويعتبرون المختلف معهم في هذا الجانب ضالًا وفاسقًا، كما كانوا يفعلون في السابق تمامًا.

ركّز جيدًا، أصبحوا يعتقدون أن فهمهم الحالي, الذي كانوا ضده ويصفون من يُنادي به بأبشع التُهم، أصبحوا يرونه هو الحقيقة، وأن المُخالف لهذه "الحقيقة" ضال استنادًا على ذات المبدأ السابق "تحويل الفهم الخاص إلى قوانين وأعراف"، وأيضاً غير مُبالين لحياة الآخرين المختلفين معهم في الفهم والاقتناع!

الذي يفعله هذا السلوك الإقصائي، أيّاً كان توجهه ومصدره، مهما كان اسمه وانتماؤه ومذهبه، هو تعطيل الحياة وتجميدها في قالب آحادي، لأنه سلوك يُحول من فهمه إلى قانون وأعراف وثقافة إلزامية، في حين أن القانون يجب أن يكون المادة التي تحفظ لجميع المُختلفين حق الفهم والاقتناع!

- السؤال، من يُعوض المختلفين الذين كانوا يُنادون بالفكر الحالي؟ ومن سيعوض المختلفين الذي ينادون بفكرٍ آخر يُعتبر اليوم ضلالًا؟

الحرية كان يمكنها الإجابة على هذا السؤال، لأنها كانت ستضمن أن يكون القانون هو المُحدد لحفظ حق كافة الأطراف لاختيار قناعاتهم وعدم تطبيقها على غيرهم.


الثلاثاء، 24 يناير 2017

دغدغة حقوقيات الفاشنيستا!

من أغنية هواجيس - ماجد العيسى





حين تريد معرفة حقيقة ايمان الفرد بمبادئه، قدم له ميزة، حفنة مال، منصبًا، وانتظر قليلاً!

بعد عدة سنوات من ثورة شبكات التواصل تعرّت الكثير من الأجساد والأفكار معًا، لم تكن عالمًا افتراضياً، بل كانت حقيقة مجتمع تظهر في صور وتغريدات و"سنابات".

أشد هذه الظواهر بروز شخصية الحقوقية الدلوعة، على غرار "مطلقة دلوعة". عدة مُعرفات وشخصيات كُن ينادين ببعض المطالبات الحقوقية المشروعة، وبعد تقلبات جوية معينة تحولن فجأة إلى "دلوعات" لا يختلفن كثيرًا عمّا يُسمين في الوسط العام "الدرر المصونات".

كاتبات في صُحف ومشهورات وناقدات كُن يبكين يوميًا ويُطالبن ببسالة حتى لأتفه ممارسات الانسان الطبيعي، ثم وكما كان متوقعًا، سقطن في وحل الاستخفاف بالأُخريات، فقط لأن ظروفهن تبدلت، تحسنت، أو استرزقت!

كنت ولازلت أثق بأن "غيرة" الأنثى من نظيراتها لتكون محط اعجاب ولفت الأنظار هي السبب الرئيس في هضم حقوقها. هي حقوقية في شرنقة فاشنيستا، أو في محارة درة مصونة، لا يختلف أبدًا.

يحملن عقلية تافهة جعلتهن يتنازلن عن مواقف انسانية من أجل شهرة وارضاء تيار ما، والحصول على زاوية في صحيفة ربما، ليُشعرن أنفسهن أنهن أفضل من غيرهن وأجمل من غيرهن ومحط اعجاب أكثر من غيرهن، أو ربما تبحث عن عريس بطريقة "الهجمة المرتدة"!

بين الحين والآخر تظهر شخصية جديدة في هذا الجانب، قبل عدة أشهر تجدها تستجدي وتطالب لحقٍ بسيط، والآن تقول لك بأن هولاء المُطالبات لسن سوى مراهقات سخيفات همّهن فقط القيادة والخروج ولا يفقهن شيئًا في الحقوق.

وهذا قمة في السقوط، ولنفترض أن هذا صحيح، أن همّهن قيادة "سيكل"، أليس هذا حق بديهي وليس من شأنك تحديد أنه سخيف أم عظيم، وليس من واجبك الحُكم أنه مهم أم سطحي، هو حق وواجبك أختي فاشنيستا الحقوق أن تخرسي فقط.

من الدناءة أن تمري في مُعاناة وتقاسي خلالها، ثم حين تتحسن ظروفك تقفي ضد من بقين في المعاناة، بل وأن تستحقري مشاعرهن ومطالبهن. ومن العُهر الفكري أن تكون كل تلك المطالبات والكلمات والمشاعر التي كنتي تعانيها مجرد مسرحية وجسر لبلوغ مكانة "إعلامية" وشُهرة وبعدها تتحولي إلى بوق من العفن.

يمارسن حياتهم وينلن حقوقًا لم يروها في حياتهن، وفي نفس الوقت يستهزئن بما يعانين ظروفًا مختلفة!

معظم نساء العالم حين يبلغن مكانةً ما، يقفن مع بنات جِنسهن بشكل شريف جدًا، يقفن بقوة وببسالة مع الانسان، وهؤلاء الوصوليات ما أن يبرزن قليلًا إلاّ وتحولن لمُساندات لتلك القيود التي كُن يبكين بسببها!

المضحك أنهن يدافعن عن مواقفهن المُخزية بأسلوب بائيس وتعيس، بأسلوب استهزاء واستحقار لغيرهن، ثم يتحدثن عن الأدب والفكر والوطنية والاحترام!


والمؤسف حقًا أن كثيرات جدًا كُنا نحسبهن ذوات موقف انساني، لكن المواقف أثبتت أنهن لسن أكثر من أحذية "شانيل" تقليد.

وقلةٌ جدًا من انسجمن مع مواقفهن ولازالن على ذات الموقف النبيل، على الأقل لم يبيعوا أفكارهن وعقولهن.

هو أمر طبيعي في مجتمعات لا تُثمن قيمة الحرية كركيزة أساسية، لذلك لا تعي معنى الحقوق أصلًا.

ظروفك ليس هي معيار تعريف الحقوق، فهمك وإرثك ليسا وحدة قياس للحقوق، وبالطبع مصالحك وشهرتك ليست منظار ترين من خلاله ما هو الحق المهم وما هو الحق السطحي.

الحق الذي لا يفيدك ولا تراه مهمًا قد يكون مُنقذًا لعشرات الآلاف غيرك، فلا تكن سافلاً مرتين وتُعادي لمجرد تحصيل مهنة صحفية مثلًا أو تذكرة سفر!

وحتى لو لم يكن الحق مفيدًا ولا منقذًا، حتى لو كان مطالبة بعود أسنان، هو حق وانتهى الكلام.

أحيانًا يتم الحديث عن بعض الحقوق الهامشية والترفيهية ليس من باب السخف والسطحية بل لايضاح أنه إن كانت حتى هذه الحقوق التافهة الهامشية محل استنكار ومنع، فما بالك بالحقوق الأكبر!

الأشياء البسيطة والتفاصيل الصغيرة ليس مهمةً لذاتها فقط، بل لما تعكسه من فكر ومعرفة، لأنه يمكنك استشفاف فكر أي مجتمع من أبسط مظاهره وسلوكياته الصغيرة على الطريق.

أخيرًا، ميزة قضايا المرأة في كل مكان أنها أصبحت أيقونة انسانية، ومنخلًا يفرز لك الصادق من المنافق، فكل من يُعادي حق انسان، بغض النظر عن نوع الحق وقيمته، يسقط فورًا في المستنقع.


ملاحظة: كل الاحترام للفاشنيستات الحقيقيات.


حسين منصور