الاثنين، 6 أبريل 2015

قيمتك بعضوك التناسلي!



تصوّر أنك في مجتمع يزعم الفضيلة، ثم حتى عندما تكون في مُقتبل العُمر تُحرم من اتخاذ قرار يخصك أولًا وأخيرًا وذلك بناءً على نوع عضوك التناسلي؟

هل فهمت جيدًا؟ عضوك التناسلي يُحدد مصيرك!

هذا التصور البسيط يشرح لك مصطلح "مجتمع العورات"، هو المجتمع الذي تتكون أعرافه وقوانينه ومنازله ومطاعمه وكل أماكنه العامة، أزياؤه الرسمية، وكل تفاصيله الصغيرة ومظاهرة الكبيرة، كلها مُكوّنة وفق أنواع العورات، قسم لأصحاب العورة الذكورية وقسم للعورات الأنثوية، مدخل لهولاء ومدخل آخر لأولئك!

يحق لك، في حال امتلاك عضو ذكري وبأي سنٍّ تبلغه، الخروج وقتما تشاء، التنقل كيفما تشاء، السفر حيثما تشاء، ارتداء ما تشاء، بل يُشفع لك حتى "العُهر" تحت ذرائع عديدة تُسمى اجتماعياً "ما في شيء يعيبه" و "حامل عيبه" وعند جماعة أحب الصالحين تُسمى "رجاااال، ذييب"! كل ذلك فقط لأن الجينات التي شكلّت وجودك كانت "ذكورية"!

من يمتلك عضوًا ذكورياً تتحول عورته لصك شرعي يغفر له ذنوبًا وفيرة لا يغفرها للجنس الآخر، لأن الفكرة ببساطة، فكرة عورات مخصية!

بينما حين تكون الجينات أنثوية فالأمر مختلف تمامًا، لا يحق لك شيء إطلاقاً منذ مولدك وحتى دفنك إلا بموافقة سامية من أحد مُلاك الأعضاء الذكورية. أنت كانسان "أنثى" مرهون لدى التواقيع والتصاريح والموافقات، حياتك مّهمشة بغض النظر عن عُمرك وكفاءتك وقدراتك وعقليتك، بل وبغض النظر عن كونك انسان في المقام الأول!


وعلى سبيل المثال، كانسان عمره ١١ عامًا يمتلك عضوًا ذكريًا يتجول مشياً أو بدراجته الهوائية "بسروال وفانيلة"، يخرج من المدرسة وحيدًا،  دون أي تبعات اجتماعية أو مساءلات قانونية أو تُهم عُرفية. بينما كانسان يبلغ الثالثة والعشرين من العمر لكنه دون عضو ذكري ستُمنع من الدراجة، من الخروج من الجامعة إلا بتصريح أو مرافق رسمي، تُمنع مما يجوز لطفل ذكوري في الحادية عشرة أن يفعله دون وجلٍ أو ارتياب.

وفي حال تجاوزك لمفهوم "العورة"، في حال اختيارك للون مختلف لقماش العباءة أو تفصيلها، أو عدم ارتدائها بنحوٍ ما، أو تغير في شكل غطاء الوجه أو غيابه، تتلقى سيلًا من القذف والاتهام في شرفك وكرامتك، لأن الشرف كما يبدو مقتصر أيضاً على نوع عورتك ونوع الأقمشة، وليس لعقلك وانسانيتك!

تسعى هذه الفكرة لطمس هويتك أو إبرازها حسب جِنسك، هي تشبهُ إلى حدٍّ كبير ذات الفكرة التي يستنقصون بها حقبة الجاهلية، بينما هُم يمارسونها بشكلٍ أو بآخر. كما كان وأد الإناث، كما يزعم التاريخ منتشرًا حينها، هاهو يُبرر أيضاً بصورةٍ أخرى مبنية على ذات مبدأ العورات. تُحدد حياتك، حقوقك، قراراتك حسب قدر ميلادك ذكرًا أم أنثى!

ويتعدى الأمر لأن يُعتبر التكوين الفيسلوجي، الجِنس، معيارًا للتحكم في حاضر ومستقبل الفرد. كونك ذكرًا لك قرار اختيار ما تدرسه ولو نسبياً، قرار تحقيق رغباتك المستقبلية دون الحاجة لموافقة كائن حي له عضو ذكوري كي يتسنى لك فعل ذلك!

بينما عدم امتلاكك لتلك "العورة" يُحتم عليك الانتظار والتحمل والإقناع، والرضوخ لقرار الذكر إن رفض أمرًا بسيطًا يخصك، كاختيار تخصصك الجامعي!

المُضحك أن صُناع هذه الفكرة، يروجون لها بدعوى الحفاظ على فضيلتهم من الإنجراف للفتنة. بمعنى آخر، إما أن يتسلطوا وينتهكوا حق الجنس الآخر الذي يعتبرونه "ناقص عقل"، أو أنهم سيعثون فساداً، وأن فضيلتهم لم تُسعفهم لاحترام حق بديهي لانسان فقط لأنه يمتلك عورة أنثوية! هُم فُضلاء لدرجةٍ لا يمتلكون حلًا قانونياً أو انسانياً يُروض من فضيلتهم الجنسية!

ثم، لا أفهم كيف لناقص عقل أن يجرَّ "كامل عقلٍ وفضيلة" إلى الفتنة، بل كيف يزعمون الفضيلة وهي مقترنة برذيلة الإقصاء وانتهاك الحقوق؟!

وتفشي هذه الفكرة في مجتمعٍ ما، مؤشر لبشاعات عديدة أخرى، فالمجتمع المُكون بالعورات هو حتماً فاشل في مجالات أخرى، في الأخلاق، المعارف، الحريات، الفنون، التحضر والانتظام. يمكنك استقراء المجتمعات دون الحاجة للتعمق فيها، فقط انظر نمط تعاطيهم مع الانسان المختلف،  مختلف جنسياً، عقائدياً، قبلياً، عِرقياً وهكذا!

لذلك، حيث تغيب مفاهيم الحُرية، حتماً تضمحل الانسانية، وتفقد الفضيلة كل معانيها، فهي ليست فضيلة، بل رذيلة تتحين وقت حدوثها!