الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

اللوحة العاصية!



تصوّر للحظة، ولكن تصوّر بحذر حتى لا تقع في المحظور، فالتصوّر ولو كان في الخيال ربما يكون شُبهة تودي بك في قعر الظنون، تصوّر أنك أمام خيار واحد فقط، عليك اختيار حاسّة واحدة من بين نِعم الحواس والمشاعر التي وهبها لك الخالق، اختر حاسّة واحدة فقط تعيش بها مدى الحياة، ماذا ستختار؟

قبل أن تُجيب دعنا نرحل سوياً إلى مكان ما بلا ألوان، بلا أشكال، بلا أصوات، بلا مذاق، و بلا طقس، حتماً هو مكان يساوي في تفاصيله "اللامكان". ألا تتفق أن هذا المكان سيكون قاحلاً أكثر من المقابر! فكيف يُمكن للانسان الذي يأنس للجمال أن يُجرم الجمال!؟ بل كيف يُمكنه أن يبقى انساناً ويمارس انسانيته بحواسه وحريته تحت ظل هذا الفكر المظلم!

لو طالعنا التاريخ وبعض الأدب لوجدنا أن الانسان، بمختلف الديانات، كان يُعبر عما يريد بما هو متاح حوله أو بما يبتكره لنفسه، وهنا يبدأ التعبير الانساني في التطور وبناء الحضارة، نعم بهذه السهولة!

كان الشعراء يُبدعون في وصف الصور، يرسمون بواسطة الحروف تصاويراً مدهشة تجعلك تقرأ الشعر كأنه لوحة فنية. وكان الانسان يتفنن في العمارة والبناء، والآثار خير شاهد. بل كان الحدّاد يُعبر عن احتراف هذه الحرفه بالنقش على الدروع والسيوف والأدوات الأخرى. بعدها بدأ الانسان ينافس نفسه في مجالات عديدة فشيد بذلك الحضارات، وعرّف كل شعب عن نفسه بما قدمه للعالم.

لا يمكن لفطرة الانسان أن تأمره أن يغتال شغفه عن التعبير عن ذاته، وحبه للتعريف والتعارف الثقافي والعلمي، بل على العكس، هو مخلوق بغريزة تدفعه نحو التعبير للتطوير.

الشاذّ أن يكون هناك من يحترف وأد "التعبير الانساني"، حرفته هي تجريم فطرة الانسان، يُعبر عن "الظلام" بداخله بتمزيق لوحات فنية، بإحراق كُتب، أو بتجريم المعارض والمسارح والفنون! باختصار هو يرى الحضارة في "اللامكان"!

عموماً، إم لم تكن الحاسّة التي اخترتها هي "الانسانية" فعليك مراجعة أقرب مكتب حانوتي!