يُقال في علم الإجتماع أن البيئة المُحيطة تعتبر من أشد العوامل المؤثرة على السلوك والمعتقدات بمختلف تعاريفها. اتساع المساحات من حولك يتيح لعينيك مدىً أوسع للنظر، وضيقها يؤطر ما تراه ويحجبه!
في مجتمعاتنا الصغيرة، التي قد يجوز مجازاً تسميتها بالأقفاص، تخنقنا تلك الإطارات. يُولد الطفل ليخرج من قفصٍ إلى قفص مُزين حول سريره الصغير، تتلاقفه الأيدي كل حين ولكنه يعود نائماً إلى قفصه.
نخرج، إذا سُمح لنا بالخروج من قفص المنزل، إلى فُسحة الشارع الذي يُحدده لنا الأبوان. يحددان لك مساحة الركض واللعب من عمود إنارة إلى حدود بقالة الحي!
تذهب إلى المدرسة، إلى مستودع الأقفاص المُسماة تأدباً فصولاً مدرسية! تقضي نصف يومك، نصف عمرك، بين أسوار شاهقة مُطرزة من الأعلى بأسلاك أو بزجاج جارح ردعاً للمتمردين وحفاظاً على سلامة التلاميذ!
تذهب إلى ملجأ الجياع العائلية، إلى مطعم يقدم وجباته لأناس يُسورهم حاجز فتراهم يلتهمون طعامهم وحولهم قفص آخر! تذهب إلى نُزهة، إلى شبه حديقة وفي ذهنك رغبة فطرية لاحتضان السماء، لكنك تجدها هي الأخرى مُسورة، كأنها متنزة منزوٍ إلى نفسه!
لم ننتهِ بعد، يُقدر لك أن تتزوج فتدخل بمحض إرادة المجتمع في "القفص الذهبي"، حتى الأفراح لدينا مُقفصة في اسمها ومضمونها!
تجد نفسك داخلاً في شركٍ من الأقفاص، مُكبلاً بأقفال العادات والتقاليد التي صنعها الراحلون وأخذوا معهم المفاتيح! فلا يُسمح لك الخروج ولا حتى صناعة قفص جديد ترتضيه!
وإن لم تلاحظ، حتى قلبك الذي تُخزن بداخله ما تشاء من ايمان وشعور ومعتقدات، مسجون هو المسكين في قفص! ومحاولة خروجك من كل تلك الأقفاص هو لا محالة طريق للدخول في قفص الإتهام!
من الطبيعي أنه كلما ازدات الأقفاص، انخفض حس الابتكار، وأصبح العقل عقيماً غير قادراً على إنجاب الأفكار، لذلك يقال "فكر خارج الصندوق"، لكني أقول: اهرب من القفص!
إن الانسان، بما هو انسان، سيمتلك المفتاح الوحيد لجميع الأقفاص حين يُدرك معنى "الحرية"!