الثلاثاء، 12 يونيو 2012

هل تشعر صناديق البريد؟




تستمد الرسالة معانيها من مراحل ولادتها وحتى تنقلها بين الصناديق والأيدي، قد نظن لوهلة أن الرسالة خطاب ورقي يحمل بين سطورة شعوراً يتأرجح داخل الظروف وحسب الظروف، ولكن الرسالة في ذاتها هي شعور مُختزن في قلم كاتبها، وشعور متقلص في حقيبة ساعي البريد الذي لا يعلم كم من الأماني والأحزان يحمل كل صباح

كانت الرسائل ومنذ عهد قديم تحمل معنى السلام، صفحات عديدة كتبها العشاق، كلمات مرسومة على ورقة حملها الحمام عنوةً، بلا قصد كان يُحلق بها نحو نافذة اللقاء. قد تكف عن كتابة الرسائل لو شعرت يوماً بما تمر به الرسالة من انتظار ومكوث طويل يُفزع الحروف المكتوبة. أن تكون رسالة غرام واشتياق وتُلقى بجانب رسالة أخرى تحمل خبراً حزيناً هو انشطار الجسد بين فصول السنة

يطوف ساعي البريد بين الشوارع، يكتنز في خاصرته أكواماً من الشعور، في حين أنه لا يشعر إلا باعياء الركض. يُودع رسالةً هنا، ويُلقي بأخرى من بين فتحات صناديق البريد، قد ينتابه الحزن لو رفض الصندوق احتواء رسالةً جديدة، فبعض الصناديق لا يزورها أحد، وبعضها نساه الزمان

تفيض المشاعر داخل صندوق يحتضنها، الغريب أن المشاعر أكبر من أن تُسجن في صندوق صغير لا يُعيره المارة أي انتباه! قد تختلف المشاعر المكتوبة، وتتغير التواريخ والكلمات، ولكن صندوق البريد جامدٌ لا يتحرك، ولو قُدر له الحديث ربما واسى جاره المنسي، أو فرّ هارباً من حزن قد يُوجع حتى مفتاح الأقفال!

يبقى ساكناً بلا حراك، ولو نظرت لجدرانه من الداخل رأيتها حيرى تتوجس خيفةً ما، تبات الليل مُبطنةً انتظار طلوع الشمس، وتنتظر صباحها خائفةً كلما سمعت صوتاً من هنا أو بعض الهمس! بعضُها لا يحتاج لرسائل حزن تُلهمه ذاك الشعور، فلم تزره الرسائل منذ شهور! وبعضها اُغتاله روتين الرسائل الباردة

تدلنا صناديق البريد على عناوينا، هي من يُعرفنا للقادمين، وهي من أول مَن يحفظ الشعور لنا، وفي لغة الرسائل تكون الصناديق نحن، يُرسل كل شيء لها ثم نسرقه منها، وبالرغم من كونها وسيطاً للمتراسلين، فهي الوُجهة التي نرتضيها لما نريد وما لانريد! فلكل رسالة تاريخ وعنوان والسجن يبقى صندوق البريد